بدر الأصفر يكتب: لا تشكيلي يا «تربية».. أبكيلك!
المتفذلكون سيحللون هذا المقال ثم يخرجون بنتيجة أني أكتب مدافعاً عن الغش والغشاشين، ولسد الباب من أولها، أقول إنه من الضروري والواجب، وبكل مصطلحات التأكيد، تجب محاربة آفة الغش التي دمرت مستقبل من يرتكبها، وسرقت تعب كل مجتهد عندما يوضع في نفس الخانة مع الغشاش، لكن هذا لا يعني أن نبرر أو ندافع عن قرارات وزارة هي، في نظر الكثيرين، المتسبب الأول والرئيسي في وصول التعليم الى هذه المرحلة المتردية، وتحويله من رسالة سامية إلى تجارة رائجة ورابحة، كل رأسمالها بيع الدروس الخصوصية لمن أهملت الوزارة في تعليمهم. ليس دفاعاً عن الغش والغشاشين، لكن يجب أن نكون منصفين وعادلين في حكمنا على طرفي المعادلة، الطالب والوزارة، فقبل تحميل الطلبة مسؤولية تفشِّي ظاهرة الغش وغيرها من السلوكيات غير التربوية، يجب أولاً تحميل وزارة التربية مسؤولية هذه النتائج التي أوصلتنا اليها بسياستها التي دمرت التعليم.
وزارة التربية نفذت قرارها بحرمان الطالب من كل اختبارات نهاية العام إذا تم ضبطه يغش في أي مادة منها، وبالتالي يصبح راسباً وعليه إعادة السنة الدراسية بأكملها، لأن وزارة التربية افترضت، أو هكذا نفهم من القرار، أن من يغش في مادة فإنه يكون قد غش في المواد التي قبلها، وسوف يغش في المواد اللاحقة؛ ولذلك يجب ردعه بحرمانه من سنة دراسية كاملة.
لن ندخل في جدال الدجاجة والبيضة، فالغش هو النتيجة الطبيعية لتعليم فاشل، وليس هو السبب في فشل التعليم وتدني مستوياته إلى درجات الجهل عند بعض الطلبة، وهذا التردي يشهد عليه الجميع، من مواطنين وجهات حكومية كثيرة، وعلى رأسها وزارة التربية نفسها، والدليل تفشِّي سلوكيات كثيرة بين الطلبة وفي الحقل التعليمي، أبرزها وأخطرها ظاهرة الدروس الخصوصية، التي صارت ملازمة لمعظم الأسر ممن لديها أبناء يدرسون في مدارس حكومية، إلا ما ندر، حتى أصبحت من الأساسيات التي لا غنى عنها في تعليم الأبناء، وهو أمر لا تستطيع وزارة التربية نكرانه أو تجاهل مخاطره على التعليم، وما كانت الدروس الخصوصية لتصبح بوزن وزارة توازي وزارة التربية، وتكاد تدخل تراثنا من باب عاداتنا وتقاليدنا، لو أن وزارة التربية قامت بدورها التعليمي بالشكل الصحيح الذي يغني الطلبة عن اللجوء الى هذه الدروس الخصوصية، حتى إننا وصلنا الى مرحلة أصبحت فيها المدارس الحكومية تكلف الأسرة مادياً أكثر من تكلفة المدارس الخاصة، وهذا بسبب مصاريف الدروس الخصوصية التي لا غنى عنها ولا بد منها لتحسين المستوى التعليمي للطلبة، الذين تركتهم الوزارة يواجهون مصيرهم والشاطر فيهم هو من يعلم نفسه بنفسه.
القصة باختصار، وزارة التربية فشلت في محاربة الغش من خلال توفير التعليم السليم، كما فشلت من قبل في التعليم كله، فلجأت الى معاقبة طالب هي من تسبب في عدم تعليمه بالشكل الصحيح، لذلك «لا تشكيلي يا تربية أبكيلك»!