أ. د. عبداللطيف بن نخي يكتب: الغش الأكاديمي
انزعجت كثيرا عندما شاهدت في مقطع فيديو، تعدي طالب على رئيس لجنة اختبارات أثناء تفقده الممتحنين. ولكن قبل عرض وجهة نظري حول حوادث الاعتداء الأخيرة على أعضاء الهيئة التعليمية المكلفين بضمان نزاهة الاختبارات، لا بد من تسجيل تقديري وإعجابي برئيس اللجنة، لتمالكه غضبه وضبطه سلوكه بمهنية عالية. فلم يسع لرد اعتباره بيده، بل اكتفى باللجوء إلى اللوائح الوزارية وقوانين الدولة لإنصافه. وهو بذلك يستحق التكريم من قبل الوزارة وجمعية المعلمين والمجتمع، ليكون رمزا تعليميا يقتدي به الآخرون.
وأما أحداث الاعتداء المؤسفة من قبل بعض الطلبة الغشاشين على مراقبي الاختبارات، فلا يجوز لنا الاكتفاء بتطبيق اللوائح والقوانين ذات الشأن، ولا بد أن نتصدى لها فورا بمنهجية علمية، لأنها تفاقمت إلى ظاهرة خطيرة. لذلك علينا جميعا نحن المعلمين والمسؤولين في وزارة التربية والتعليم العالي، إلى جانب وزارة الإعلام ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وغيرهما من الجهات الحكومية وهيئات المجتمع المدني المعنية بثقافة المجتمع، علينا جميعا المشاركة في تشخيص أبعاد الظاهرة لاستنتاج مسبباتها وتحديد طرق معالجتها.
من الأمور التي تستحق الملاحظة، العلاقة بين استشراء الغش لدى الطلبة في مدارسنا وفي معاهدنا وكلياتنا، وبين استشراء الفساد بأشكاله المختلفة في المجتمع، ومنها انتشار الشهادات المزورة. وهنا أتساءل: هل تمرّد وانفجار الطالب المعتدي منشأه كره واحتقار المراقبين الذين يمنعونه عن سلوك هم سبقوه – حسب اعتقاده – في ممارسته؟
كأب وأكاديمي أعلم أن الشبان والشابات يرفضون قبول النصح من قبل أشخاص غير ملتزمين بما ينصحون غيرهم به. فأعلم أنهم لا يستوعبون نصيحة تجنب التدخين من آبائهم المدخنين، ولا يتقبلون – جهرا أو خفاءً – ارشادات عدم الغش إذا صدرت من استاذ متهم بأن شهادته الأكاديمية مغشوشة.
لذلك أرى أن معالجة ظاهرة الغش في اختبارات الثانوية العامة، وما تبع بعضها من اعتداءات على المراقبين، تتطلب التصدي بحزم لظاهرة انتشار الشهادات المزورة، وكذلك الشهادات الوهمية التي يمكن الحصول عليها نظير تحصيل أكاديمي متدن.
مشكلتنا في الكويت مع حملة الشهادات الكرتونية – المزورة والوهمية – من جانبين: تضخيمها إعلاميا، والعجز عن إلغائها ومعاقبة حاملها. ولا شك أن اجتماعهما يشكل الحالة الأخطر على أي مجتمع ودولة. فلو أبعد الإعلام مجهره عن ظاهرة الشهادات الكرتونية لكانت المشكلة أهون علينا من الوضع الحالي.
ولا أدعو هنا وسائل الإعلام والنشر والتواصل الاجتماعي إلى تجنب الحديث في شأن ظاهرة الكرتونيات، بل أرى أن التصدي للظاهرة يتطلب دورا محوريا للإعلام، ولكن بشرط أن تتزامن معه جهود علاجية وإصلاحية من قبل المحاور الأخرى – المعنية بالظاهرة – في السلطات الدستورية الثلاث. وإلا فإن موقع الإعلام سوف ينقلب من جبهة محاربة الفساد الأكاديمي إلى منبر تشجيع الإفساد الأكاديمي في المجتمع.
منذ سنة 2006 ووسائل الإعلام الكويتية الرسمية وغير الرسمية تتناول أزمة الشهادات الكرتونية، حيث كانت البداية مع إعلانها عن تسلل آلاف الشهادات الجامعية الكرتونية إلى الكويت. ولكن للأسف ردود الفعل من السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ ذلك الحين لم تتجاوز التصريحات. وفي العام 2011 أعدت جامعة الكويت اختبارات لتقييم مستوى حملة تلك الشهادات الجامعية، إلا أن معظمهم امتنع عن أداء الاختبارات.
وفي السنوات اللاحقة طفحت فضيحة أكاديمية أخرى، متعلقة هذه المرة بشهادات دكتوراه كرتونية، وهذه الأزمة أيضا دخلت دوامة التصريحات ولجان التقصي والتحقيق. وقد يكون أفضل وصف لقوة هذه الدوامة، ما جاء على لسان وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور بدر العيسى في لقاء تلفزيوني بعد خروجه من الحكومة، حين قال إن مكافحة آفة الشهادات الوهمية تحتاج لأربعة وزراء ونائب.
خلال الأشهر القليلة الماضية، نشرت الصحف أخبارا حول إحالة عدد من حملة الشهادات الجامعية والعليا المزيفة إلى النيابة. وقبل أيام قليلة أعلنت وزارة التعليم العالي عن نيتها إحالة مجموعة جديدة من ملفات الشهادات المزورة إلى النيابة العامة. لذلك بناء على نتائج قضايا مشابهة، أناشد الوزارة والنيابة تطوير قدراتهما الذاتية والمنهجية في التعاطي مع ملفات الفساد الأكاديمي المستحدثة. فقد تكون هناك حاجة إلى تشريعات لتمكين أو فرض التحكيم القضائي في القضايا الأكاديمية على غرار القضايا التجارية… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
أ. د. عبداللطيف بن نخي