الاستاذة بدور المقيصيب تكتب: ثقافة التدريب
تزداد أهمية التدريب في وقتنا الحالي ازديادا كبيرا؛ حيث يسد التدريب الثغرات التي يخلفها محدودية التعليم النظامي التقليدي، والذي لا يفي إطلاقا بحاجة و متطلبات سوق العمل الفعلية؛ فالتنافس الإنتاجي، خاصة مع التطورات اللامتناهية لنظم المعلومات، في تسارع كبير مما يضيف للبناء التراكمي للعلم المعاصر مراحل ومستويات تفوق محتوى المناهج الدراسية التقليدية.
مع بدايات عصر الثورة الصناعية و العلمية، ظهرت الحاجة إلى العمالة المدربة، و بدأ أرباب العمل في إنشاء معاهد تدريبية متخصصة تابعة للمصانع؛ مثلما حدث في مدينة مانشستر الصناعية، حيث قام رجال الصناعة و الأعمال في ذلك الوقت، عام 1824 بتأسيس معهد الميكانيكا لتعليم العاملين بالمصانع القواعد الأساسية للعلوم المرتبطة بمجال العمل و الذي أصبح فيما بعد جامعة مانشستر للعلوم والتكنولوجيا، و يعتبر هذا المثال الناجح قدوة لفكرة التدريب المتخصص التابع لهيئة العمل.
فالتدريب أصبح خياراً استراتيجياً للاستثمار في الإنسان كأهم عناصر الإنتاج و التنمية البشرية، فنمو الناتج القومي الإجمالي للدول و إن كان أمراً ضرورياً لتقدم البلدان و ازدهار مستوى المعيشة فيها إلا أنه ليس كافيا وحده لإحداث التنمية البشرية للمجتمعات. و من هنا أدركت الدول المتقدمة أهمية الاستثمار الحقيقي في مواردها البشرية و دفعت بدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخصيص ما يقارب 70 بليون دولار سنويا للتدريب في موقع العمل.
و في الحقيقة فإن بعض الباحثين يعزو انتشار ثقافة التدريب في الأمم المتقدمة و حرص الأجهزة العامة على التدريب و تعزيزه و دعم برامجه إلى الحاجة التي أثارت الدافع فأوجد السلوكيات المكونة للثقافة. فالعالم المتقدم أدرك منذ زمن بعيد أن التعليم الأكاديمي يعتريه خلل واضح إذ لا يقدم سوى المعرفة العامة و التأهيل النظري للقوى العاملة و تبقى مسألة ملاءمتها لمتطلبات الوظيفة التطبيقية عبئاً على كاهل المؤسسة المعنية ذاتها ، أو المتخرج الذي ربما آل حاله إلى الانضمام إلى مجتمع العاطلين الذين يتزايدون بنسب تفوق نسب النمو السكاني في كثير من البلاد.
أما السبب الرئيسي الثاني الذي أعان على نشر ثقافة التدريب في المجتمعات المتقدمة فهي تلك الثورة التكنولوجية العارمة و الاختراعات التقنية النامية التي بدأت في القرن الماضي لتحل محل الإنسان ثم سرعان
ما تعقدت و تطورت حتى عادت في نهاية القرن نفسه تبحث عن الإنسان الذي يجاريها و يمكن أن يفهم و يتعامل مع تعقيداتها و أصبحت من السرعة و التشعب و التغير بمكان بحيث يستحيل معها استيعابها ثم إقرارها و قولبتها في مناهج دراسية في الفصول التعليمية، و اصبح التدريب بذلك الطريق الوحيد لاستيعاب هذا التغير السريع في التكنولوجيا و الاستفادة منها في الواقع العملي.
هذان العاملان هما من أهم العوامل التي جعلت الشعوب المتقدمة تنظر إلى التدريب كخيار استراتيجي على مستوى الدولة و المنشأة و الفرد. فالدول قد خصصت المبالغ الطائلة لدعم برامج التدريب و إنشاء المعاهد الفنية المتخصصة و المراكز التقنية المتطورة. أما المنشآت الصناعية منها و التجارية فقد جعلت التدريب من أولوياتها و توسعت فيه حتى أصبحت مراكز و وحدات التدريب التابعة للمنشآت في الغرب قسما هاما لا غنى لها عنه ، بل ازداد الأمر أهمية لتنشأ المنشآت لها جامعات و كليات تلبي حاجاتها من التدريب و التطوير بالإضافة إلى منحها شهادات علمية و درجات عليا مثل جامعة موتورولا و دركسيل ، و كورتيك.
أما الفرد في دول الغرب فقد أدرك أن التدريب هو الوسيلة الفعالة لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة، والعنصر الفعال للارتقاء بالأداء الإداري و الجودة الإنتاجية، و الطريق الآمن للتغيير والتطوير الذاتي، و أصبح أحد عوامل الجذب الأساسية التي ينشدها للالتحاق بمنشآت الأعمال إلى الحد الذي تشير فيه الدراسات أن 64% من المتقدمين للوظيفة في الولايات المتحدة يهمهم وجود فرص التدريب و التطوير المستمر في المنشآت أكثر من أهمية المرتب الأساسي.
و أخيراً فإذا كانت الحاجة قد دفعت المجتمع الغربي إلى تبني ثقافة التدريب و انتشارها منذ زمن بعيد فإن الحاجة ذاتها أصبحت تتنامى و تتعاظم في مجتمعنا المحلي، و أخشى أن نحتاج إلى أن نمر بنفس التجربة و لكن بصورة بطيئة حتى نضطر إلى استيعاب مفهوم الثقافة التدريبية كما استوعبها الزميلان الخبيران بالتدريب.
المصادر:
-
- أهمية تعزيز ثقافة التدريب – المهندس الوليد الدريعان – 2011
- أهداف التدريب – المعهد العماني للتدريب الاداري – 2015
- أهداف التدريب و التنمية المهنية – خالد محمد الزهراني – 2013
- ثقافة التدريب – أ. د. أحمد الشميمري – جامعة الملك سعود – 2014
- All About Training and Development (Learning and Development – Carter Mcnamara, MBA, phD, Authenticity Consulting – 2014
مقدم من: أ/ بدور المقيصيب – معهد السكرتارية و الادارة المكتبية – قسم اللغة الانجليزية