سعد بشير الشمري يكتب: المحاماة وافاق القانون في المستقبل
المحاماة مهنة الدفاع عن الحق ووجودها ضرورة عدلية في ظل هذا العصر التقني المتعولم حيث الحاجة أصبحت ملحة إلى من يقدم العون القانوني للمحكمة بما يم ّكن القاضي من استبيان الحقيقة ومن ث ّم إصدار حكم غير مشوب بعيب. كما أن المحامي يقدم المشورة والنصح القانوني ويقوم بصياغة العقود وا تفاقات وتوثيقها والمشاركة عند إعداد مقترحات القوانين واللوائح التنظيمية ويتقدم بالطعون في ا حكام المعيبة. ا صل أن المحامي يقبل الدفاع إ عن الحق, وهنا تستبين سمات ال ُخلق الكريم حيث تقوى حياة الضمير قبل مسألة العلم والفقه والمعرفة .
ظلت الحياة منذ عقود مضت تعج بالنشاطات التجارية والصناعية والزراعية وا جتماعية وغيرها من أحوال الحياة المختلفة بالنسبة إلى ا شخاص الطبيعية والمعنوية, ومع تطور أساليب هذه المناشط المتعددة تتطور ا نظمة والقوانين وفقا للتطور التكنولوجي والتقنية العالية في كل أوجه الحياة المعاصرة, وتبع هذا التطور الهائل كثير من التعقيدات في ع قات العمل والتعامل, ما حتّم وجود نظام يساعد على التغلب على تلك التعقيدات ومعاونة ا جهزة العدلية ا خرى المنوط بهاتطبيقالنظاموأحكامهبما ُيحققالعدل،ومنهناتبرزأهميةالمحاماةكمهنة رفيعة تتطلب قدرا كبيرا من المسؤولية لكونها مهنة الدفاع عن الحق. بحسبان أ ّن كل خصومة تنطوي على حق أو باطل أو بعض من أيهما متى ما أثير النزاع أمام القضاء, حيث تكون مهمة المحكمة ا ستماع إلى بينات وأدلة طرفي النزاع فتقضي بينهما وفقا لما يقدمه كل منهما من أدلة،
ولما كان ا مر يتطلب الدقة من حيث تصنيف المستندات وا دلة والبراهين وتقديم الشهود, وحيث إن وضع القاضي يحتم عليه الحياد فليس له أن يقوم بهذا الدور(جلب البينات) حتى يفقد حيدته حفاظا على أهم ركن من أركان توليه القضاء (الحياد), وحيث إن المعام ت والع قات تعقدت بتطور وسائل وأساليب الحياة, تعقدت أيضا تبعا لذلك النزاعات وبرزت حاجة ا فراد والمؤسسات إلى ا ستعانة بمن لهم الدراية والمعرفة بوسائل الدفاع عن الحق، وهذه مسألة لم تعد تنحصر في شهادة الشهود التي لم تعد كما با مس مطمئنة حتى يؤخذ بها مستقلة عن البينات الظرفية غير المباشرة التي تحيط بالنزاع، وأن تحديد البينات المطلوبة وعرض المستندات أمام المحكمة لم يعد با مر السهل إذ يمكن للمتخاصمين العاديين القيام به على الوجه المطلوب دون ا ستعانة بمتخصص حاذق لهذا المجال، ومن هنا تبرز أهمية وجود المحامي حتى يتسنى تقديم القضية أمام المحكمة بصورة متكاملة وواضحة جلية تم ّكن القاضي من ا حاطة بالحقائق فيقضي في الدعوى التي أمامه مطمئنا دون أن يساوره شك .
إ ّن تداخل المصالح وتنوع النزاعات أفرزا تعقيدات صعبة نشأت بسبب التطور الهائل في وسائل العلم والمعرفة فتطورت تبعا لذلك أيضا وسائل وأساليب التعدي على الحقوق حيث أصبح من اليسير سرقة أو إت ف حق ا خرين دون أن يبرح الجاني مكانه كفعل السرقة أو ا ت ف ا لكتروني الذي يصل حد التدمير الكامل لمواقع ا نتر ِنت عبر الفضاء الذي اتسع مزدحما بالكثير المثير، فض عن ذلك فإ ّن ا نظمة والقوانين واللوائح وا تفاقيات الدولية في عصرنا هذا على كثرتها أصبحت في تطور وتغ ّير مستمر تتوافر أسباب ا حاطة به إ لخبير متخصص متفرغ للمتابعة والمدارسة المستمرة لهذا المجال الرحب, ومن هنا تبرز أهمية وجود أشخاص قانونيين ذوي علم وثقافة وحس قانوني رفيع متولد من وجدان سليم يمكنهم من فهم النظام ومعرفة تطبيقاته بما يمكن من تقديم النصح والمشورة انتصارا للحق وترسيخا لمفاهيم العدالة السامية. إ ّن مهنة المحاماة من أعرق المهن الراقية في كثير من الدول والمجتمعات التي تمكنت من تطوير أجهزتها العدلية حيث لم يعد المحامي هو ذلك الشخص الذي يدافع عن الحقوق الذاتية ل فراد وا شخاص مقابل مصلحته الذاتية فحسب، بل أصبح له دور الدفاع عن الحقوق العامة ومراقبة تطبيق ا حكام .
يزال البعض يظن بمهنة المحاماة كثيرا من الظنون حيث انتشر كثير من ا فكار التي شاعت عن خطأ الفهم بما يتداوله العامة دون دراية بالحقيقة, ومبعث ذلك بعض الثقافات التي ترسخت على خطأ الفهم والجهل بطبيعة ا شياء وأسباب
نشأتها، ومهنة المحاماة شأنها شأن المهن ا خرى حيث يسيء البعض التصرف ويخالف أصول مهنته و ينبغي أن ينسحب أثر مثل هذا التصرف الفردي على المهنة في ذاتها وأصلها وطبيعتها أو على الملتزمين بأخ قياتها, وحيث إن كل مهنة تحتاج إلى تنظيم كذلك الحال بالنسبة إلى مهنة المحاماة والمهن العدلية ا خرى كافة حتى يستقر ا مر على نهج قويم وفهم صحيح .
لقد ذهب بعض الذين يتوجسون من مهنة المحاماة إلى دمغها بصفة الشفعة, وهذا فهم خاطئ ومغلوط, ذلك أن صحيح الفهم – المحاماة هي مهنة العون القانوني و ُمعينة القضاء على استبيان الحقيقة – وهي تأخذ صفة القضاء الواقف من أجل تثبيت الحق وهي من ضمانات العدالة في الدول الراقية، وليس هناك أرقى من دولة ا س م وشرعها الحنيف مصدر العدل ومنبع الرحمة حيث ا حكام الدقيقة المنضبطة. وقد سبق الشرع ا س مي في ذلك جميع النظريات في إرساء دعائم ومبادئ العدالة وا خذ بأسباب الحيطة والحذر حيث ُيصدر حكم إ بعد التأكد من توافر ا دلة بشروط دقيقة, وحيث إ ّن تلك الشروط محددة فإنها تحتاج إلى عقل محيط بمواد النظام والمبادئ العامة فقها وقانونا بما يمكن من تطبيق صحيح فهم القانون وفقا للحكمة التي ينشدها المشرع تحقيقا للعدالة التي يرومها المجتمع فتستقر حياة البشر وتصفو النفوس. وما كان مبدأ الحديث الشريف ( ادرأوا الحدود بالشبهات) إ سبقا ساميا للمبدأ القائل ( يفسر الشك لمصلحة المتهم ) وإن كثيرا من المبادئ والقواعد الراسخة كمبدأ (ا صل في ا شياء ا باحة) و (ا صل في ا فعال البراءة ما لم يثبت عكس ذلك) – إ أنها سبق للمبدأ القائل (المتهم بريء حتى تث ُبت إدانته) .
إن مهنة المحاماة كغيرها من المهن العدلية ا خرى يتطلب وضعها ضمانات استثنايئة لحمايتها حتى يتسنى للمحامي القيام بمهمته على الوجه الصحيح دون خشية إم ق أو خوف من أن يحيق به ضرر من أحد، وحيث تندرج الحصانة القانونية ضمن المسائل الجوهرية التي تقبل الغموض أو التسويف, حيث يتوافر للمحامي من دونها الجو المناسب للقيام بدوره كما ينبغي له أن يكون، ذلك قد يعرض المحامي للكيد من قبل خصوم موكليه أو من أي جهة متضررة من قيامه بالدور المنوط به! وغني عن القول فإ ّن الحصانة توفر للمحامي المقدرة على المبادرة أمام المحكمة بما يتسع مكانية اخت ف الرأي من أجل استبيان الحقيقة حقاق الحق وتدارك ا مر قبل فوات ا وان فتكون مبادرة المحامي خير عون قبل أن تقع المحكمة في الخطأ عند صدور الحكم. ذلك كون الحصانة القانونية تجعل من المحامي والقاضي صنوان هدفهما تحقيق الحق بالدليل
والبرهان, إرساء لدعائم العدل الذي ينشده الجميع, وإن الدولة الحريصة على بناء أجهزه عدلية قوية تضمن للعاملين فيها ا طمئنان بتوفير الحصانة الكافية لتحقيق هذا الضمان .يظل نظام المحاماة كغيره من النظم في حاجة إلى التطوير المستمر في هذا العصر المتسارع الخطى كثير التعقيد المليء بالمفارقات المستغرب منها والمتعجب من المسائل العلمية التكنولوجية وما تبع ذلك من إمكانات حاسوبية ذات تقنية عالية ومدهشة بدأت تشكل تعقيدا في المعام ت والع قات.
فض عن ذلك التطور الكثيف الحادث في مجال الهندسة الوراثية, حيث تخطى ا مر حاجز المحظور للت عب بجينات البشر بما يتناسب ُخلقا وأخ قا مع آدمية ا نسان وما تبع ذلك من عمليات في التخليق داخل المختبرات العلمية, وهذه مسألة من شأنها خلق نزاعات قد يدخل محل الدعوى فيها حيز ا رحام ويكون موضوعها خلط ا نساب, ومثل هذا الوضع المعقد يحتاج إلى من هو قادر على المواجهة بس ح العلم والمعارف المختلفة محيط بعلم الحقوق والقانون ذو دراية بشيء من مبادئ علوم الطب والهندسة والتجارة والزراعة والصناعة وسائر علوم المجتمع من علوم إنسانية وإن لم يكن على علم بدقائقها ف بد له من أن يكون على شيء من الفهم يمكنه من تحديد من هو الشاهد الخبير في المسألة المطروحة أمام المحكمة حتى تصادف شهادة الشاهد الظرف الم ئم لتوضيح الحقيقة أمام المحكمة, وبهذا يصادف أيضا المحامي الظرف الم ئم لتقديم ا دلة والبراهين أمام المحكمة حتى يحقق الهدف المرجو (تحقيق العدالة) ، ذلك أن المصالح المرسلة ل فراد والمجتمع والدولة تتجدد الحاجة إلى كفالتها بصورة مستمرة, وحيث إن الع قات والمعام ت تتطور أيضا فإن النظم والقوانين تتطور وتتعدد تلبية لحاجات المجتمع وا فراد في آن واحد بما يحقق العدالة المنشودة .
ما إن توافرت العدالة إ وتحققت الرغباتالسامية وامتلك العباد ناصية الفرح والسرور لهم ول خرين, وهذا ما وعد به الرحمن عباده الصالحين ومن صلح عمله وحاله وتفتحت له أبواب الرحمة واتسعت له آفاق المستقبل ذلك أن ا عمال ا