ا.ايمان السنان تكتب : “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”
ليس عجباً أن يفوق امرؤ أخاه في علم أو خبرة أو في أي مجال من مجالات العمل أو الحياة، كما أنه ليس من المستهجن أن يسعى الأدنى للحاق بالأعلى، وأن يبذل جهده للتفوق عليه، في حدود ابتغاء رضا الله، وبقيد طهارة المشاعر القلبية، ونقاء العلاقات الاخوية بحيث يؤدي ذلك كله في النتيجة الى تحقيق المصلحة العامة بعيداً عن هوى النفس وتقديس الذات، حين تتفشى المنافسة الشريفة تكون وقوداً للأمم، ومحرضاً على البذل المتواصل، ومن الصور العملية لذلك التنافس الشريف ما يكون بين الأنداد من التسابق في الخيرة كالذي كان من المسابقة في البر بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حيث طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته رضوان لله عليهما أن يتصدقوا، يقول عمر رضي الله عنه: … ووافق ذلك عندي مالاً فقلت اليوم أسبق أبا بكر فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله وسلم (ما أبقيت لأهلك؟) قلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال (يا أبا بكر ما ابقيت لأهلك؟) فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، عندئذ قال عمر: لا أسبقه إلى شئ ابداً – سنن الترمذي.
هكذا يكون التنافس بين الأنداد بحب واحترام، وليس بالحقد والامتهان، أما التنافس غير الشريف فيبدأ فيما بيّنه النووي في شرح مسلم: (قال العلماء: التنافس إلى الشئ والمسابقة اليه، وكراهة أخذ غيرك اياه هو أولى درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة).
وهذا التنافس الذي قد يؤول إلى الحسد، هو الذي توقعه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فتحت على المسلمين فارس والروم فقال: ( … تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون ثم تتباغضون … ) – صحيح مسلم- وهو المنهي عنه في قوله (ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تداربوا وكونوا عباد الله اخوانا) -صحيح البخاري-
والأخطر من هذا كله تنافس الكسالى والبليدين الذين يتتظرون أن تصب نعم الله عليهم صباً، رغم بلادتهم وضعف هممهم وإن لم تغمرهم هذه النعم وهم قاعدون، حركتهم همة الشر للكيد لمن يعلمون والتشفي بمن يفوقهم، والحسد لمن سبقهم والحقد على من أنعم عليه بما لم ينعم عليهم، وقد حذر رسول الله بقوله: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة.. حالقة الدين لا حالقة الشعر. والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا. افلا أنبئكم بشئ اذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم) -مسند احمد- والسلام الحقيقي هو الارتياح القلبي المتبادل، وما التحية الا مظهراً من مظاهره.
ومن أبواب السقوط في التنافس غير الشريف ما يكون بين الأنداد والمتشابهين في المهنة الواحدة أو المنزلة الاجتماعية حيث يتتبع كل واحد سقطات الآخر بدلاً من أن يُعمل الفكر والجهد لتقديم الأنفع والأصلح والأبداع.
وختاماً لا يكتمل إيمان في قلب انجرف به التنافس غير الشريف الى الحسد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (… ولا يجتمعان في قلب عبد الايمان والحسد) -صحيح سنن النسائي- .
اعداد
أ/ إيمان السنان
المعهد العالي للخدماتالادارية