كتاب أكاديميا

د. محمد الشريكة يكتب: تسمم المؤسسات الحكومية!

ظهر حديثا مصطلح «المؤسسات المسمومة» بهدف توصيف واقع المؤسسات التي تغيب فيها الأجواء الصحية، تلك الأجواء التي تبث روح العطاء والتنافس المحمود والتميز في الأداء. ويدلل مصطلح «المؤسسات المسمومة» على غياب عوامل التحفيز وظهور عوامل التثبيط. ويوجد عدد كبير من النظريات التي تحدثت عما يشير الى تواجد عدد من العوامل المثبطة وعن الحاجات التي يمثل غيابها سببا للإحباط والتثبيط. منها نظرية الاحتياجات المتسلسلة (الهرمية) لماسلو (Maslow’s Need Hierarchy Theory)، ونظرية إي آر جي (ERG Theory)، ونظرية ماكليلاند (McCLELLAND، وكذلك نظرية العاملين لهيرزبيرج (Herzberg’s 2-factor theory) وتمثل مجمل هذه النظريات إطارا عاما لمحاولات فهم السلوك وتوقع الأفعال وتعرف المؤثرات الداخلية والخارجية. من خلال توظيف مبادئ تلك النظريات يمكن لنا توصيف هذه المؤسسة بـ «المسمومة»، أو تلك المؤسسة بـ «الصحية».

وفي هذا المقال سأحاول تلمس الواقع الوظيفي للمؤسسات الحكومية وسبب غياب روح العطاء بأغلب المؤسسات التي تمثل جزءا من المنظومة الحكومية في الدول، أو تلك التي يسهل علينا توصيفها بـ «مؤسسة مسمومة». ولعل من اليسير أن نختار نظرية هيرزبيرج وهي المسماة بـ «نظرية العاملين»، والتي حدد فيها الباحث مجموعة من العوامل وشكلها بمجموعتين مختلفتين. المجموعة الأولى وهي التي يسميها هيرزبيرج العوامل الصحية (أي الأساسية) تشمل: (1) الاستقرار الوظيفي، (2) عدالة نظم المؤسسة، (3) المنزلة المناسبة، (4) الدخل المادي الكافي، (5) الإشراف والذاتية، (6) العلاقات الاجتماعية الجيدة، (7) ظروف العمل.

ووفقا للنظرية فإن وجود هذه العوامل في المؤسسة لا يشكل قيمة مضافة أو سببا للتحفيز، ولكن عدم تواجدها يسبب تثبيطا وإحباطا للعاملين في المؤسسة. ويفهم من ذلك أن وجود هذه العوامل يجعل الموظف راضيا فقط وليس محفزا. وتمثل هذه العوامل الحد الأدنى لمتطلبات العمل في المنظمات وإلا فإن إهمالها وعدم تلبيتها يمثل تهديدا حقيقيا للمؤسسة وبيئة العمل فيها.

ولعل تجربتنا عزيزي القارئ في مختلف المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية تخبرنا أن أغلب هذه الاحتياجات أو العوامل الأساسية شبه غائبة عن تلك المؤسسات الحكومية التي اتسم العمل فيها بقلة الإنجاز وانتشار الإحباط والتثبيط بين العاملين. وقد يعود ذلك إلى غياب القيادة الواعية والمدركة، أو لوجود قيادات تعمل وفق أجندة خاصة بعيدا عن الصالح العام، أو بسبب قوانين مركزية عقيمة لا ترتقي بالمؤسسات، ولكن تكبلها.

وبذات النظرية فإن هيرزبيرج حدد مجموعة الحوافز، والتي تشتمل على العوامل التالية: (1) العمل المثير، (2) التقدير، (3) فرص النمو، (4) تحمل المسؤوليات، (5) الإنجازات. ومن هذه العوامل المسماة بمجموعة الحوافز – وفقا لتوصيف هيرزبيرج – نتعرف على كم المعيقات التي تحد من عطاء الموظف بهذه المؤسسات المسمومة والتي يتسم فيها العمل – غالبا – بالرتابة والنمطية والجمود، ولا يتقن قيادتها فن التقدير والتحفيز، ولا يتاح فيها للموظف أي فرصة نمو، بل تجيير تلك الفرص للقيادات وأقاربهم ومجاميعهم الخاصة! كما لا يتاح للموظفين على مختلف مستوياتهم العمل بأريحية وتحمل للمسؤولية، ولكن يجب عليهم العودة للقيادي بكل شاردة وواردة بغض النظر عن مدى الاحترافية والكفاءة بما يقدم من إنجاز.

ولو عمل كل قيادي على توفير هذه العوامل المحفزة، وتأكد من وجود العوامل الأساسية في العمل لكانت مؤسساتنا التنفيذية بيئة جاذبة يحب فيها كل شخص كيانه ويقدر فيها كل إنجاز وتميز.

@dralsharija

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock