أ.د. محمود داود سلمان الربيعي يكتب: الحداثة تعزيز لحقوق المرأة
إن تزويد المرأة بمعلومات حضارية عن اتجاهات الحداثة في الشخصية ، بوصفها مجموعة من الاستعدادات الموجهة لسلوكها واستجاباتها اتجاه المواقف المختلفة ستساهم في تعزيز حقوقها ، الذي ينطوي على عدة جهات فاعلة وقطاعات مختلفة ويتطلب منهجاً شاملاً وقنوات اتصال بين الوزارات والمؤسسات واستدامة الحوار والشراكة بين المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق المرأة الذين يكرسون أنفسهم لوضع حد للتمييز ضد المرأة ، فمن الضروري تنفيذ برامج لتعزيز حقوق المرأة من اجل ضمان المساواة بينها وبين الرجل في الحصول على جميع الموارد والفرص خلال المرحلة الحالية .. لذا وجب الاهتمام بكيفية تعزيز حقوق المرأة وتغيير أدوارها وتحسين مكانتها في المجتمع ، وذلك من اجل الاندماج الكامل في عمليات التنمية وزيادة مشاركتها في قوة العمل ، لما له من تأثير في تغيير نظرتها لذاتها وتطلعاتها وإتاحة فرص أوسع للمشاركة الفعلية في عمليات التنمية لان مساهمة المرأة لايمكن النظر إليه من دون ربطه بوضعها وحقوقها في المجتمع ونظرته إليها من جميع الزوايا التعليمية والاقتصادية والسياسية وما يترتب على عملها من آثار على بنية وظائف الأسرة والمجتمع . إن الأدلة والحقائق العلمية والبحثية تشير إلى إن ضعف رغبة المرأة مهما تكن الخلفية الاجتماعية والمهنية التي تنحدر منها في السعي لنيل حقوقها واخذ دورها بالمشاركة في النشاطات المتنوعة لأسباب لاتتعلق بتوافر أو عدم توافر التسهيلات المادية والفنية بقدر ماتتعلق بالمواقف الهشة واللاعقلانية التي تحملها المرأة والمجتمع المحلي إزاء ذلك ، وهذه المواقف توارثتها أجيال النساء منذ فترة طويلة والتي سببتها التنشئة الاجتماعية للإناث وقنواتها الفكرية والتربوية والانحدار الاجتماعي والبيئي والقيم السلوكية والتربوية وكذلك المؤسسات المرجعية التي تتفاعل معها المرأة في حياتها اليومية والتفعيلية .إن التغيير في أنماط سلوك المرأة التقليدية يرتبط بنوعية تطلعاتها نحو ذاتها ، إذ غالباً ماتكون المرأة المتحررة أكثر ميلاً للاضطلاع بمسؤوليات جديدة من المرأة ذات التطلعات المحافظة ، كما إن دورها في عملية التنمية يتأثر إلى حد كبير بالبنى الاجتماعية والأوضاع التي يعاني منها المجتمع ، فعدم مساهمة المرأة بأي نشاط أو عمل يعود لخصائصها الذاتية أحياناً كعدم رغبتها بالمساهمة ولخصائص ماثلة في المواقف التي تعيشها ضمن أسرتها مثل وضع أهلها الاقتصادي وعدم تشجيعهم لها واهتمامهم بالذكور أكثر من الإناث وخاصة الأم لمساعدة البنت لها بأعمال البيت وغيرها .وقد أثبتت دراسات عديدة إن مستوى الأهل التعليمي وخاصة الأم له علاقة قوية بالتحصيل العلمي للبنات ورغبتهن للقيام بأدوار غير تقليدية بالعمل ، وبعبارة أخرى وجدت تلك الدراسات انه كلما ارتفع المستوى التعليمي للام أصبح الأولاد وخاصة البنات أكثر تحررأ في تطلعاتهن نحو أدوارهن وفي البحث عن حقوقهن في ممارسة اعمال جديدة تلائم إمكاناتهن ، يضاف إلى ذلك إن تعليم المرأة له تأثير في القيم والعادات السائدة مما يجعلها أكثر مرونة لتقبل أنماط جديدة من السلوك ويجعل المرأة والرجل على حد سواء أكثر تقبلاً لفكرة المشاركة في الحياة الاجتماعية للمجتمع . وهناك دور مهم لمؤسسات المجتمع كافة وبالتحديد المؤسسات التعليمية لتحديث أفكار وآراء المرأة وشخصيتها وتحويلها من الجمود إلى المرونة حيث أن المرأة تواجه باستمرار مرحلة من التغيير الحضاري في مجالات الحياة كافة ، لهذا فان الاهتمام بالتعليم وإعطاءه الأسبقية في عملية التغيير والتطوير له آثار متعددة على دور المرأة ومكانتها في المجتمع فهو إلى جانب زيادة مشاركتها في قوة العمل ، فانه يؤثر أيضاً في تغيير نظرتها وتطلعاتها مما يستحثها على اغتنام الفرص المهمة لها ، إضافة إلى أهمية دور وسائل الاتصال كونها تزود المرأة بمعلومات حضارية عن اتجاهات الحداثة ومدى تأثيرها في نمط حياتها واستجاباتها.للمواقف المختلفة التي تواجهها خلال حياتها اليومية, وذلك كله تنعكس آثاره على التنمية الاقتصادية بسبب ماتكسبه المرأة وكذلك الرجل من قيم وصفات ستؤثر في أداء الواجبات في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . ان المرأة في المجتمع الحديث تمتلك قدراً اكبر من حرية الفعل داخل الاطار العام للقيود الاخلاقية عكس مامعمول به في المجتمع التقليدي ، فعندما تخرج رغبات المرأة وطموحاتها عن حدود القانون الاخلاقي التقليدي تصبح النساء غير مقتنعات باسلوب الحياة ويبدأ التماسك الاجتماعي بالانهيار ، وتبدأ المراحل الاولى لانهيار المجتمع التقليدي باتجاه المجتمع الحديث ، فالحداثة اساس تقدم المجتمعفكلما اصبح المجتمع اكثر ثقافة واقل صدامية اتاح الفرص للتعبير عن حرية الافراد اصبح ذلك المجتمع قريباً من تحقيق الحداثة ، ولتحقيق ذلك لابد من توفر مجموعة شروط من بينها تغيير بعض القيم الفردية والجماعية واجراء مجموعة من التغييرات في النظم والمؤسسات التربوية والاجتماعية كالأسرة ووسائل الاعلام والتعليم واستخدام التقنية المتقدمة في مجالات الانتاج . وهذا مايتيح للمرأة الانفتاح على التغيير والتحديث وتقبل استخدام التكنولوجيا وحرية التفكير والاهتمام بحقوقها وحقوق الاخرين وبالتعليم ومتابعة وسائل الاعلام والقدرة على تمثيل الادوار المختلفة وابداء الآراء بشأن المجتمع بمختلف ظواهره وقضاياه .ان قضايا العنف ضد المرأة والصمت بشأنه الى جانب المحرمات والنظرة الاجتماعية للمرأة تمثل عوائق كبيرة تحول دون توفير الامن للنساء والفتيات لحمايتهن من العنف القائم على النوع الاجتماعي ، فالمرأة تعيش في خوف دائم من العنف ومن الاساءة الى كرامتها وليس لديها امكانية الوصول الى العدالة ، اضافة الى القوانين التي تضفي الشرعية على ذلك العنف ، فالمؤسسات التي تتواصل معها مباشرة النساء المعنفات بعد تعرضهن للإساءة تنقصهن المعرفة والوعي بشأن تلك المشكلة ، وبالتالي كثيراً ماتهتم النساء بالتسبب بذلك العنف بالاضافة لوجود صمت وقبول اجتماعي يحيط بتلك المشكلة مما يحيل دون امكانية الوصول الى العدالة في تقديم الخدمات المقدمة للنساء المعنفات وبالتالي لايمكن بحث الاسباب التي تحول دون تطبيق اتجاهات الحداثة لتعزيز حقوق المرأة دون وضع توصيات ومعالجات يمكن ان تتصدى لهذه العوامل ووضع نهاية سريعة لها من شأنها دفع المرأة الى المشاركة المثمرة في الانشطة الاجتماعية والسياسية والمهنية والتربوية لان هذه المشاركة لاتقوي مكانة المرأة ودورها في المجتمع فحسب بل تطور ثقافتها وتعمق علاقاتها مع النساء الاخريات وتمنحها قسطاً من المتعة والسرور والرضا .ان التوصيات والمقترحات والمعالجات التي يمكن طرحها لمواجهة العوامل المسؤولة عن كل ذلك يمكن درجها بالتقاط الاتية :1 – يجب ان تنال المرأة اهتماماً خاصاً ومتميزاً لما لها من دور فاعل ومكانة مميزة في المجتمع الذي نسعى الى تطويره لدعم وتعزيز حركته ورفده بالاجيال المتعلمة القادرة على الابداع والتطوير .2 – توفير التعليم وفرص العمل الواسعة للمرأة ومساواتها بالرجل في الجوانب الحقوقية ورفض الاتجاهات والافكار التي تحط من قدرتها وتنظر بدنيوية لوجودها الانساني .3 – وضع حد حاسم للمواقف والممارسات التي تنبع من المنطلقات البالية في النظرة اليها .4 – فسح المجال امام المرأة للاسهام في جميع المجالات وتحريرها من اغلال التقاليد والعادات وتعزيز مكانتها واندماجها في الحياة العامة للمجتمع الذي يرتبط ارتباطاً عضوياً بوضعيتها .5 – دمج المرأة واسهامها بالخطط التنموية واشراكها في الانتاج الاجتماعي لتأخذ دورها الطبيعي ومكانتها الحقيقية في المجتمع .6 – اقتراح خطة عمل وطنية وفق برامج موجهة نحو حماية المرأة وتحسين تمثيلها ومشاركتها في جميع مجالات الحياة .7 – التصدي والحد من العنف ضد المرأة وانهاء الافلات من العقاب لمرتكبي الجرائم باصدار قوانين للحماية من العنف الاسري ، وتمكين المرأة وتعزيز قدرتها من خلال منهج قائم على الحقوق .8 – مكافحة التمييز بين الجنسين في وسائل الاعلام وغيرها .9 – ضمان مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية ومنحها دور مناسب في عمليات صنع القرار وتعزيز حقوقها واستعادة وضعها الاجتماعي والاقتصادي .10 – اعادة النظر في عمليات التنشئة الاجتماعية التي تتعرض لها المرأة منذ بداية حياتها ، وتحويل التنشئة من العدم الى تقييم وقت الفراغ واستثماره في شتى الانشطة .11 – القاء المحاضرات على النسوة في جميع اماكن تواجدهن لتوضيح الفوائد التي تنطوي عليها مساهمة النساء بالانشطة واستغلال اوقات فراغهن بشكل امثل .12 – ضرورة توجيه النساء الى الموازنة بين اوقات العمل والفراغ والترويج اذا ان المرأة ينبغي ان لاتقضي وقتها في العمل البيتي والوظيفي بل يجب عليها ان تستثمر اوقات فراغها في الانشطة الرياضية والترويجية .13 – تهيئة المستلزمات في النوادي والمؤسسات النسوية التي تحفز المرأة على المشاركة في انشطتها14 – السعي لتحرير المرأة من القيم الاجتماعية المتخلفة التي تدفعها الى الاعتقاد بان محاربة الانشطة تتعارض مع النظام الاجتماعي والديني والاخلاقي الذي يشيد عليه المجتمع .15 – ضرورة مبادرة وسائل الاعلام يشن حملات اعلامية مكثفة تستهدف تزويد ابناء المجتمع بمعلومات تشير الى عدم التناقض بين نيل المرأة لحقوقها والقيم والممارسات الاجتماعية التي يتبناها المجتمع .16 – قيام اجهزة الدولة المختلفة والمنظمات النسوية والشعبية بحملات تثقيفية شاملة لتشجيع النساء على المساهمة بأنشطتها مع توضيح فائدتها لرفع مكانتهن الاجتماعية وتطوير شخصياتهن وثقافتهن نحو الافضل .الأستاذ الدكتور / محمود داود سلمان الربيعي كلية المستقبل الجامعة الأهلية – بابل – العراق