أضرار التلفزيون على طفلك .. والبديل | كتب: د. مروه مجدي

أكاديميا | د. مروة مجدي
لا يخلو بيت الآن من التلفاز، فأصبح رفيقاً وصديقاً حميماً لكل أفراد الأسرة، وبخاصة الأطفال فبالنسبة لهم صندوق صغير يقدم العالم الكبير في صورة مشوقة ومثيرة، فيشاهد كل ما يريده من حكايات وقصص ومغامرات وأخبار وصور، فهو جهاز ممتع ومسلي بدرجة كبيرة، وآلة عجيبة حقاً، فاستطاع أن يأسر البشرية كلها منذ اختراعه وثباته على هذه الصورة في عام 1939م، ولكن هل هناك أضرار من مشاهدته ؟ فقد شغل هذا الموضوع العلماء في فترات كثيرة منذ ظهوره وحتى الآن، جميعنا يعلم أن له مخاطر صحية أشهرها،إجهاد العين وضعف النظر، ولكن للأسف الآضرار أكثر من ذلك، وحتى بدون دراسات علمية فيتضح لنا أن عندما نجلس أمامه لفترة كبيرة نظل في سكون بلاحركة، فيجعل الفرد يميل إلى الكسل والخمول، حتى إنه يستخدم في بعض سجون بريطانيا لتهدئة المساجين لأن العلماء شبهوا حالة الجلوس أمامه بحالة النوم والتخدير، ومع كثرة المشاهدة يصاب الإنسان بالسلبية لأنه طول الوقت يشاهد ناس تتحدث وتتحرك وتعيش حياة كاملة خلف الشاشة وهو متفرجاً صامتاً، فيتعود على هذا الدور، كما أن من يشاهدهم يعبثون بعقله وثقافته، بحسب مايشاهد فإذا كانت البرامج سطحية وهابطة فيتأثر بها بدون وعي، فيكون الفرد أقل ابتكاراً في حل المشكلات وأقل قدره على التركيز.

فضلاً عما أثبتته الدراسات الحديثه من أضراره الصحية مثل إضعاف الذاكرة، لأنها تمتلىء بمعلومات لا فائدة منها فلا تترك مساحة لما يفيد الفرد بالفعل ويجعله يتطور في حياته العملية والأسرية، ومن أضراره الصحية أيضاً الإرهاق والصداع المستمر، حيث إنه يؤثر على الجزء الأمامي من المخ وهو الجزء المسئول عن قرارات الإنسان وضبط النفس والأخلاق مثل الكذب والصدق والانتباه وهو الذي يخطط وينظم الأمور ويتخذ القرارات ومذكور في القران باسم “الناصية” ومرتبطة بالكذب، وهذا الجزء المهم من المخ يتأثر بشكل مباشر من كثرة مشاهدة التلفاز والضرر يكون مضاعفاً بالنسبة للأطفال لأن هذا الجزء يكون في طور النموحتى سن العشرين، ويتسبب التلفاز في عرقلة نموه مما يؤدي إلى عدم قدرته على التحكم في سلوكه و تصرفاته وعلاقته بالآخرين وضعف الذكاء اللفظي لأن الألياف الموجودة بهذا الجزء بحاجة إلى أن تنمو وتتكاثف وتكون وسيلة اتصال قوية بالخلايا العصبية وإلا ستضعف القدرة على القراءة والتحصيل الدراسي والإحساس بالملل من المذاكرة والمدرسة، وكذلك الاضطراب النفسي والقلق وتغيير موقفه ورؤيته للعالم وضعف بعض الحواس مثل اللمس والشم، وهناك دراسة إيطالية أثبتت أن الأطفال الذين تم منعهم من مشاهدة التلفزيون لمدة شهر زاد عندهم هرمون “الميلاتونين”الذي يسهم في تأخير حدوث الشيخوخة المبكرة بنسبة 30%.
ومن الناحية النفسية غالباً ما يشعر الطفل بالاضطراب النفسي والقلق والخوف وقد يصاب بحالة من التبلد العاطفي تجاه العنف أوالقسوة التي يراها بالواقع لأنه اعتاد على رؤيتها، ويكون متقلب المزاج بحسب ما يراه من تجارب على الشاشة، وقد أجريت دراسة بأمريكا بناء على طلب الكونغرس الأمريكي بسبب كثرة الجرائم التي يرتكبها المراهقين والأحداث، فنوصلت الدراسات إلى أن الذين ارتكبوا جرائم عنف خطيرة قد زادوا في الفترة من (1952-1972) بنسبة 16% وأن هذه النسبة في تزايد مستمر، وأن الجيل السابق كان أكثر هدوء واتزاناً قبل انتشار التلفزيون.
ولذلك اتفق كل علماء الاجتماع والطب والصحة النفسية على تقليص الوقت الممضي أمام التلفاز للصغار والكبار لأثره السلبي المحتمل على التفاؤل والتفكير الإيجابي والثقة بالنفس ولذلك لابد أن يكون هناك بديل ليس للامتناع ولكن للتقليل من فترة المشاهدة لنأخذ فائدته ونتركك أضراره.
وإذا أرادت الأم أن تعرف البديل فعليها بالنظر إلى حياتنا الماضية قبل ظهور الفضائيات، فعلينا بالاهتمام بالغذاء الصحي وممارسة الرياضة وضرورة ارتباط الطفل بممارسة لعبة بعينها، (اخرجي من المنزل ) زيادة النشاط الاجتماعي لدى الطفل ومحاولة توسيع دائرة الأصدقاء الإيجابيين من النادي أو الأهل او الجيران، وتوسيع دائرة الحوار مع الطفل والتقرب منه ومصاحبته والنزول إلى عمره حتى يجد صديقا جديدا من لحم ودم بدلا من الآلة الحديدية، مكافأة الطفل باستمرار ليشعر بقيمة أفعاله، ولا مانع من الألعاب المسلية التي تنمي ذكاءه ولكن بقدر معين، ووجود أنشطة مصاحبة مفيدة مثل شراء الكتب والقصص المسلية وتعويده على القراءة وجمع المعلومات المثيره حول الحيوانات وأسرار الكون بدل من تشويق الحكي والقصص الذي يبحث عنه في التلفاز، فلابد أن تبني شخصية طفلك بتعويده على الإنجاز والإبداع وألا يكون متلقياً فقط ويكون قادر على تسلية نفسه بنفسه.
وأخيراً يكفي القول بأن “فيلوفرانسوورث”مخترع التلفزيون ندم على اختراعه، حيث صرح في المقابلة الوحيدة التي أجراها أن التلفزيون هيمن على الحياة اليومية ووصف ذلك بالأمر المؤلم جداً وقال عنه أنه “وحش متنكر على هيئة أداة للترفيه عن الناس “، وأنه يخشى أن يضعف القدرات العقلبة لابنه.