د. بدرية العوضي تكتب: القيادة الاستراتيجية في عصر العولمة
في ظل التغيرات المعقدة والمتجددة وحالة الغموض وانعدام اليقين حول ما يمكن أن يحدث في المستقبل، ومع تزايد المشاكل وتكاثر التحديات وتنوعها وتداخلها…أصبح انتهاج العمل الاستراتيجي ضرورة حتمية او من قبيل الواجب اللازم لأي مؤسسة، عامة او خاصة، وهو بالنسبة لمؤسسات التعليم اوجب والزم وأكثر استحقاقا، وخاصة تلك التي ترتبط بحركة التنمية ومتطلباتها في الدولة؛ كمؤسسات التعليم التطبيقي والفني.
وأن العمل الاستراتيجي ليس لغزاً أو معضلة، لكن في نفس الوقت لا يمكن تقديم وصفة جاهزة نسميها استراتيجية وذلك لسببين رئيسيين، أولهما: أن العمل الاستراتيجي مهمة تتضافر فيها جهود كثيرة وتتكاتف فيها أدوار عديدة. وثانيهما أن العمل الاستراتيجي هو منهج قيادي، ليس موضوعا، وهو ليس ماذا نعمل؟ بل هو كيف نعمل؟ هو ليس صيغة او اطاراً جاهزا بقدر ما هو أن نعرف كيف نضع الإطار أو الصيغة وفقا لمعايير ومبادئ وأسس علمية ومهنية وشروط وظيفية وقيم أخلاقية.
لذلك أصبح من غير الممكن وغير المقبول أن تعمل الأجهزة والمؤسسات بكفاءة وفعالية دون تفعيل الفكر الاستراتيجي الذي تضعه عقول تتميز بخصائص وسمات القيادة الاستراتيجية، ولعل غياب الفكر والرؤية الاستراتيجية يفسر إخفاق كثير من جهود مؤسساتنا وفشل خططها التنموية وتدني أدائها الوظيفي. كذلك أنه ليس من المتصور أو الممكن أن توجد ممارسة استراتيجية، سواءاً على مستوى التفكير أو التخطيط أو التنفيذ دون وجود القيادة الاستراتيجية، وبدون القيادة الاستراتيجية لا تستطيع أي منظمة أن تواجه القضايا الاستراتيجية، ولا تزاول الأداء الاستراتيجي، ولا الدور الريادي المستحق.
ذلك لأن القيادة الاستراتيجية هي التي تبني قدرة المؤسسة على مواجهة التغيرات الحادة في طبيعتها والمتسارعة في حركتها والتعامل معها بالكفاءة المطلوبة والفاعلية المناسبة، وهى التي تستشرف المستقبل وتحدد الرؤية الاستراتيجية، ثم تحول هذه الرؤية إلى أهداف وأساليب عمل، وهى التي تصوغ الثقافة المؤسسية وتترجمها إلى واقع ملموس يضمن تحقيق الكفاءة ويؤكد القيم المنتجة التي تقوي ثقة الموظف بمؤسسته ، وترسخ الولاء الوظيفي لديه، وتعزز مبادئ الشفافية والمصداقية والالتزام بمبادئ الموضوعية والعدل والمساواة ، وتنمي روح التعاون والتكاتف وتحمل المسؤولية والتعلم من الأخطاء والاستفادة من تجارب الآخرين الناجحة، وتدعيم سبل الابتكار والإبداع وتطوير مؤشرات لقياس الأداء المؤسسي والفردي وفقاً لخصائص الإدارة الرشيدة وأسسها ومبادئها، وتفعيل مقومات الحوكمة ومقتضياتها في الإقناع والإكراه ، ولهذا فإن مفهوم الإدارة الاستراتيجية ” فكرا وتخطيطا وعملا ” في عصر العولمة يعني إعداد وتوفير القيادات الاستراتيجية وتعظيم دورها وتأكيد أهمية كفاءتها وترسيخ قيمها كرجال دولة.
إعداد| د. بدرية العوضي
عضو هيئة تدريب
المعهد العالي للخدمات الإدارية