محمد السداني يكتب: دكتوراه «الهَمبَّكة»
في اللحظة التي أشاهد فيها آلاف الطلاب المبتعثين إلى الخارج للحصول على شهادات جامعية في تخصصات يحتاجها البلد في دفع مسيرة تنميته، التي لا أعلم هل تسير إلى الأمام أم إلى الخلف أم أنها لا تملك عجلة أصلا، أجد التساؤل المُلح يتملكني في القضية التي شغلت الصحافة الكويتية لأشهر طويلة – قضية الشهادات المزورة.
لقد دق الكثيرون جرس الخطر لهذا الموضوع الذي يقوض الدولة وهيكلها ويؤسس لحقبة التلاعب والمراوغة، أو كما يقولها المصريون «الهَمبكَة»، ولا تتعب نفسك في البحث عن معناها في القواميس فإنك لن تجد لها جذرا معجميا ولا أساسا في اللغة ولكنها اعتباطية لا أصل لها، مثل الشهادات الكثيرة التي أسفرت لجانا عُقدت وانحلت وعُقدت مرة أخرى من دون جدوى أو من دون إعلان عما في جعبتها من اتهامات أو تبرئة للمتهمين بهذا الأمر.
إنَّ المحزن ليس في موضوع الشهادات بحد ذاتها مع خطورتها بالتأكيد، ولكنَّ المحزن والمحبط أنَّ أصحاب هذه الشهادات التي يتباهى أصحابها بألقاب الدكتور والبروفيسور قبل أسمائهم الركيكة، بدأوا يتقلدون مناصب عليا في الدولة ويصبحون بين ليلة وضحاها مسؤولين على أصحاب شهادات تعبوا وتغربوا وذاقوا الأمرَّين من أجل الحصول عليها، فتجد الميزان مختلا والواقع ظالما والمستقبل مظلما بوجه هؤلاء الذين اعتقدوا أنهم بجدهم وتعبهم وسهرهم سيحصلون على تقدير من بلدهم الذي دفع آلاف الدنانير من أجل الحصول على هذه الشهادات. والغريب أنَّ البلد الذي يدقق ويضيق على الكثير من الراغبين في الدراسة في الخارج، تجده يماطل ويماطل طويلا جدا في قضية الشهادات المزورة وحامليها من مسؤولين كثر تقلدوا مناصب ليست بالهينة في الدولة.
إنَّ الشهادات المزورة والوهمية وسرقة الأبحاث ليست نشاطا ورقيا يقتصر على الاستفادة المادية من الدولة فحسب، ولكنَّه بداية لتأسيس حقبة هشَّة من أشخاص غير مسؤولين وغير عارفين وغير مدركين للمهام المنوطة بهم وبالتخصصات التي حصلوا عليها بطريقة أو بأخرى، وبالتالي الطبيب والمهندس والمعلم وغيرهم الكثير من الذين حصلوا على شهادات الكرتون من بلاد معروفة وغير معروفة سيأتون يوما ما وسيعلمون ويبنون ويعالجون مجتمعا كاملا وطبعا لن تكون هذه الأشياء بالطريقة الصحيحة ولكنَّها ستكون بطريقة «الهَمْبَّكة» التي ذكرتها سالفا. وما هو المرجو من شخص لم يتعب ولم يتعلم ولم يدرس وأخذ شهادة بطرقه الخاصة والتي بكل تأكيد لن يكون لها مردود على الدولة سوى النفخة الكذّابة والتسلُّط اللامنطقي واحتقار أصحاب التعب والإنجاز وإحباط مشاريعهم وطموحاتهم وتكسير مجاديفهم لكي لا يعلو شأنهم أو يظهر نجمهم وبالتالي يخفت بريق المعدن الخداع الذي يوهم الناس بأنه شيء وهو لا شيء.
إنَّ الدولة مطالبة قبل أنَّ تعلن حربها على الفساد أن تعلن حربها على التزوير في التعليم وخداع الناس، وتسليم البلاد إلى مخادعين لا يعرفون شيئا في تخصصاتهم سوى ما كُتب لهم عندما ناقشوا رسائل الماجستير والدكتوراه. لا نريد مزيدا من اللجان. نريد مزيدا من الجرأة في التعامل مع من يسرق بحثاً فيصبح عميداً، ومع من يأخذ شهادة فيصبح أستاذاً جامعياً ومديراً ومسؤولاً وغيرها من القفزات الباراشوتية التي تعاني منها الدولة وستعاني أكثر وأكثر إذا لم توقف هذا الداء السرطاني.
خارج النص:
– كنت أعتقد أنَّ كادر المعلمين سيجعل مهنة التعليم محبوبة وجاذبة للكثير من محبي التعليم، ولكنَّه للأسف أصبح نقمة على التعليم، فالمخرجات التي شاهدتها في السنوات التسع التي عشتها في الوزارة لا تبشر بالخير أبدا، وأنَّ الكثير من المنخرطين في سوق العمل ليس لهم علاقة بالتعليم، إلا من رحم ربي.
– أتمنى أن تطبق رخصة المعلم سنويا على كل من يعمل في مجال التعليم لكي نعرف بالضبط من يستحق أن يبقى ومن يستحق أن يرحل، فالوضع إذا استمر على هذا النحو يحق لنا أن نقول «على التعليم السلام».
محمد السداني