يسرى حسونة تكتب : بين درجتي البكالوريوس والماجستير
خلال أولى محاضرات الفصل الجديد، قال لي الدكتور بعد نقاش طويل أن المشكلة لا تكمن في نظام الجامعة بل تمكث في الطلاب أنفسهم ومن ضمنهم أنا، كجملة أولى قد يبدو الأمر مزعجًا إلا أنه أجبرني على إعادة النظر ليس برأيي ولكن في الصورة كاملة.
فمعظم طلاب الدراسات العليا في القانون الحاليين في جامعات الضفة الغربية هم طلاب أنهوا درجة البكالوريوس البارحة وتقدموا بطلب التسجيل للماجستير في اليوم الثاني، وليس سرًا أن معظمهم يستغلون فترة تدريب المحاماة الممتدة لسنتين من أجل الحصول على درجة الماجستير وضرب عصفورين بحجر واحد، ولكن المشكلة التي تكمن في هذه الحالة هي أن أولئك الطلاب لم يتخلصوا بعد من عقلية الدرجة العلمية الأولى، فقد سمعت عددًا منهم يقول بصراحة لا مواربة فيها أن الدكتور الفلاني هو رائع لأن مادته بأكملها تحتوي على امتحانين بنسبة 70% من المعدل و10% للحضور والمشاركة، وبالتالي فلا مشكلة في الـ20% المتبقية والتي تمثل القسم البحثي، ولهذا السبب فهو رائع جدًا ومن الممتع أن تحظى بموادك معه، ولكن في المقابل فالدكتور الآخر هو سيء جدًا ومتعب والأفضل أن تبتعد عنه، فمادته لا تحتوي سوى على امتحان واحد فقط بنسبة 30%، أما الباقي فهو موزع بين الأبحاث والتقارير والعروض الأكاديمية وهذا أمر منهك ومن المزعج القيام به.
إن مجرد التوقف عند هذه المحادثة البسيطة يدفع بضرورة طرح سؤال مهم، هل تكمن المشكلة في الطالب الذي ما زال يعيش في جو التلقين الخاص بالدرجة العلمية الأولى رافضًا أي محاولات لعملية الدخول في المجال البحثي؟، أم أنه يكمن في النظام الخاص بالدراسات العليا والذي لا يختلف كثيرًا عن البكالوريوس؟
بل إن السؤال الأكثر أهمية الذي طرحه أستاذي في ذلك النقاش، هو ما سبب الإقبال الرهيب على الدراسات العليا تحديدًا الماجستير في فلسطين، فالجميع بات يمتلك تلك الشهادة دون مواربة، ولكن ليس الجميع يمتلك ما يفترض أن تحتويه تلك الشهادة، فالأسباب متنوعة منهم من يراها برستيجًا عالي المقام، آخرون يحصلون عليها لترفيع مستواهم في العمل، البعض الآخر يحظى بها لأن لا شيء آخر يعمله عدا التعليم، والبعض يريده كي ينطلق للدرجة التالية، أسباب متنوعة ومتدرجة، وبغض النظر عن السبب الذي يسعى الطالب لأجله أن يحصل على درجة الماجستير، فهذا لا يعني أن عليها أن تصل إلى الانهيار الذي تعاني منه اليوم، فلا مانع أن يتقدم الطالب هادفًا لدرجة أعلى، ولكن الواجب أن يأخذها بالطريقة المناسبة والملائمة لها.
لقد قلت دومًا إن الماجستير هو عملية بحث، ولا أخفي حقيقة أن الجامعات الفلسطينية تتعامل معه على العكس من ذلك تمامًا، فهو مجرد علامات وامتحانات لا يحتل فيها المجال البحثي أكثر من 30% باعتباره حدًا أقصى من التقييم العام، فإن أردت أن أدلي بدلوي في هذا المجال، فالمواد الموجودة في الماجستير يجب أن تكون كاملة موادًا بحثية، فما بين التقارير الصغيرة والكبيرة، ما بين العروض والمناقشات، ما بين شرح فكرة ودراسة واقع، كل هذه الصور والوسائل يجب أن تحل محل الامتحانات، فبدلا من امتحان أول وامتحان أخير تصل أحيانًا نسبته لدى بعض المدرسين إلى 50% من التقييم الإجمالي، يجب أن يوجد تقرير ودراسة وبحث وعرض ومناقشة، ما المشكلة في استبدال الامتحان المعتمد على الحفظ بتقرير يعده الطالب ويناقشه فيه المدرس والطلاب، ليس الأمر مستحيلًا بل إنه على العكس من أسلوب الحفظ يعمل على تجديد قدرة الطالب على العمل البحثي وتقوية شخصيته من خلال المناقشة والدفاع عن رأيه.
البعض يقول أن تطبيق نظام كهذا هو أمر مستحيل لأسباب عديدة، فعدد الطلاب في محاضرات الماجستير يزداد يومًا بعد يوم ويرتفع بشكل ملحوظ ومن الصعوبة بمكان أن يطبق هذا النظام على كل هؤلاء الطلاب في فترة قصيرة، بل إن وجهة نظر أخرى تقول إن الطلاب أنفسهم يعارضون مثل هذا النظام، وهو أمر لا يمكن إنكاره، إلا أن ما يجب الانتباه إليه هو أن طالب الماجستير هو باحث لا متلقن.
ورأي مهم ومثير للاهتمام يؤكد أن الخروج من درجة الماجستير بالفائدة الأكبر هو أمر يعتمد على الطالب بشكل أساسي، وهذا أمر مهم لا يمكن إنكاره أو إزاحته جانبًا، ولكن ما أود أن أضيفه أنا في هذا المجال هو أن حصر الطالب من البداية في زاوية محددة هو أمر يعتمد على الجامعة والنظام المتبع، فإن كان النظام يقدس الامتحانات التي تتميز بمدى قدرة الطالب على الحفظ، فلن تتجاوز الفائدة ملأ دماغه بأكبر عدد ممكن من المعلومات حتى يفرغها على الورقة ثم يأتي دوره المهم في إبقائها هناك أو التخلص منها كما اعتاد على ان يفعل طوال ما يزيد عن ستة عشر سنة سابقة.
وإن كانت الجامعات نفسها عاجزة عن الاقتناع بهذه الحقيقة وإعادة صياغة الأنظمة الخاصة بالماجستير التابعة لها فتنبثق حقيقة مهمة طالما طرحها عشرات الطلاب الذين عاصرتهم في جامعات مختلفة ومتنوعة، لا فرق ما بين البكالويوس وبين الماجستير سوى أن ساعة الأول قد تساوي 50 دينارًا فيما ساعة الثاني قد تصل إلى 120 دينارً.
المصدر: ساسة بوست