د. حمود العبدلي يكتب: GPT-4o التحول العميق نحو التعلم التكيفي و الجيل القادم من التعليم 5.0
الدورات والندوات والمحاضرات والأبحاث عن مهارات البحث والتعلم بالذكاء الاصطناعي او التعلم من الذكاء الاصطناعي، او التعلم عن الذكاء الاصطناعي التي لم يمر عليها سوى 18 شهر منذ بدأ زخم Chat GPT-3.5 في طريقها للتلاشي واصبح الباحثون والمربون الآن مطالبين بالبحث عن مهارات جديدة وطرق جديدة واساليب جديدة وتصميمات تعليم جديدة للتعليم والتعلم بدأت منذ يوم “الإثنين 13/5/2024” بعد اعلان OpenAI عن الإصدار الجديد GPT-4O الذي يتمتع بخصائص الحوار البشري وإنفعالاته.
في الرابط أجرى سلمان خان (صاحب اكاديمية خان الشهيرة) بالأمستجربة مع النموذج الجديد طلب منه ان يعلم ابنه موضوع في مادة الهندسة (ماذا يتعلم؟) واشترط عليه ان لا يعطيه الإجابة (شروط التعلم)https://youtu.be/_nSmkyDNulk?si=yZ4kYSz6Jynlt0VW .
بمثل هذه التجربة يستطيع الآباء تعليم أبنائهم ما يشاؤون وبالشروط والظروف والأوقات التي يرونها ملائمة لأبنائهم؛ ويستطيع البالغون ان يعلموا أنفسهم ما شاءوا من مهارات ومعارف الحياة في التاريخ، والنحو،والجغرافيا، والرياضيات، والحاسوب، والديكور، والرسم، وحتى في التجميل والتدبير المنزلي، وربما إنَّ قدرة وإبداع المصمم التعليمي في ربط بيئات التعلم بالواقع الافتراضي Virtual Realty (VR) بأنواعه سيُمكن ايضاً من دراسة العلوم التطبيقية والتجريبية بسهولة، وستُقدم تجربة تعلم تكيُفي فريدة لم تحظى بها الأجيال السابقة.
يبدو لي ومن المؤشرات الأولية لردود الفعل حول هذا الإصدار اننا أمام جيل جديد من التعليم 4.0 يأخذ فيه التعليم التكيفي مكان الصدارة الذي بقي متوارياً بين أنواع التعليم الأخرى نظراً لمتطلباته التي ربما كان صعب تلبيتها في التصميمات التعليمية المختلفة والكلفة الاقتصادية لها؛ إلا انه ومع هذه الميزات في إصدار GPT-4O سيكون هو نوع التعلم الأكثر حظاً، وسيصبح هو نوع التعليم المفضل لدى الأبناء والمتعلمين عموماً مع إصدار GPT-5 المنتظر مُضاف لها ابداعات المصمم التعليميومعه يصبح الانتقال إلى التعليم 5.0 اسرع مما نتوقعه، خاصة وقد بدأت تتداخل مراحل تعليم 4.0، والتعليم 5.0 كمفهوم وممارسة.
تاريخياً: التحولات والانتقالات من جيل إلى جيل الذي شهدتها مسيرة التعليم تمحورت حول موقعها من التعليم المخصص وتخصيص تجربة الطالب، وقدرتها في تقديم التعلم التكيفي؛ تبنى التعليم 1.0 نهجا تقليديا واحدا يناسب الجميع، والذي تميز بالحفظ عن ظهر قلب و ركز التعليمعلى المعلم، وشهد التعليم 2.0 ظهور الوسائط المتعددة ودمج التكنولوجيا في الفصول الدراسية، وبدأ التحول نحو تجارب التعلم التفاعلية والجذابةوبداية مشاركة المتعلم وتفاعله، وركز التعليم 3.0 على التعلم المتمحورحول الطالب، والبيئات التعاونية، وتكامل الأدوات المستندة إلى الويب، مما وضع الأساس للعصر الحالي للتعليم الرقمي.
و إذا كان الانتقال من التعليم 3.0 إلى التعليم 4.0 يشير إلى مزيد منالابتعاد عن الأساليب الموحدة ذات النهج الواحد التي تناسب الجميع في التعليم، واحتضان نظام أكثر ديناميكية واستجابة من خلال التوسع في مبادئ التعليم 4.0، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقدم خطوات أخرى إلى الأمام من خلال التركيز على التعلم التكيفي اكثر، وتحسين رحلة التعلم من خلال تصميم المحتوى ووتيرة الأداء وتقييماتالتعلم بما يتناسب مع قدرات كل طالب وأسلوب تعلمه، ينقلنا إلى التعليم 5.0 في فترة وجيزة قد تبدو مفاجئة لأنظمة التعليم التي لا زال بعضها لم يستوعب بعد التعليم 4.0.
دعونا نبسط “مفهوم التعلم” التكيفي دون الذهاب بعيداً في تفاصيل المفهوم وتعاريجه؛ فهو يشبه في مبادئه “تعليم ابناء الملوك”؛ في حياة الأمم الماضية كان الملك يأتي لأبنه بمعلم يعلمه وفق حاجاته وبالطريقة التي تناسبه التي “تُمكن التعلم” ليكون مؤهل ليرث الحكم من بعده؛ وهو يفرق عن التدريس الخصوصي الذي يجلب فيه الآباء معلم متخصص للمنزل انه: 1- يُقدَم للمتعلم وفق حاجاته وقدراته وليس وفق منهج المدرسة، و2-الغرض من التعلم النجاح في الحياة وتجاوز عقباتها، وليس تجاوزالاختبارات المدرسية وهذا هو الفرق الجوهري إضافة لفروق أخرى.
من خلال الواقع المعاش والبيئة الاجتماعية المحيطة يعزو المتعلمين كثير من عوامل فشل تعلمهم او تركهم لمقاعد الدراسة والتسرب من التعليم مع ما يمتلكونه من قدرات النجاح العالية مكنتهم من النجاح في الحياة بل والبعض أصبح قائداً فيها، لعوامل يأتي من ضمنها عوامل ذات علاقة بالمادة (ماذا نتعلم؟) او الطريقة (كيف نتعلم) او المعلم، وكثير ما اوصت الدراسات والأبحاث والمربين عموماً كحل لمشكلات التعلم المرتبطة بتلك العوامل.. بالتعلم الشخصي او التعلم التكيفي او تفريد التعليم بغض النظر عن الفارق او التداخل المصطلحي بينهم فجميعها تهتم بخصائص المتعلم الفردية (الاستعداد، والنضج، والدافعية) التي تميزه عن غيره؛ وتشير ادبيات التعليم إلى ان التعليم التكيفي هو أكثر نوع من انواع التعليم يحتاجه الإنسان لتعلم مهارات الحياة والعمل، لما يوفره من حرية تعلم تتوافق والخصائص النفسية والعقلية والبدنية للمتعلم.
على مر أجيال التعلم نادى التربويين والباحثون في مجال التعليم بدمجه في التعليم منذ وقت مبكر لضرورته واهميته، إلا ان ظروف المؤسسات التعليمية والآباء لم تكن ميسورة تسمح بتنفيذه، واعترضت تنفيذه الكثير من العوائق.
الآن GPT-4O يقوم بهذا الدور بكفاءة عالية جداً ويجعله في متناول الآباء والمتعلمين ربما أكثر مما هو في متناول المدرسة او الجامعة حسب ما يظهر في تجربة خان التي يلاحظ انها امتازت بـ3ثلاث مميزات كانت مستحيلة في التربية التقليدية، وصعبة ومكلفة وتأخذ زمن وتحتاج خبراتبشرية محترفة في تصميمها في التعليم الإلكتروني التقليدي:
1- التفاعل الشخصي وتوفير التوجيه والدعم المخصص للمتعلمين، وهذا يعزز تجربة تعليمية أكثر جاذبية تتكيف مع سرعة كل متعلم وفهمه؛ ولمن مارس عملية التعليم يعرف ما لهذا من أثر على تعلم الطالب وتكوين شخصيته، والصعوبة الذي يجدها طرفي العملية التعليمية في تحقيق هذه الممارسة.
2- تخصيص “المحتوىContent ” الذي يتوافق مع المستوى الحالي للمتعلم وأسلوب التعلم، وهو عملية مرهقة في التعليم الإلكتروني التقليدي بكل ما أوتي من تقنيات وإمكانيات، إضافة لكلفتها الاقتصادية، والوقت الذي يأخذه في إعداده.
3- ردود الفعل والتقييم والتغذية الراجعة feedback في الوقت الحقيقي فقدرة GPT على تقديم تعليقات فورية لا تقدر بثمن من حيث أثرها في عملية التعلم.. في بيئة التعلم تساعد آلية الاستجابة الفورية هذه المتعلمين على فهم تقدمهم ومجالات التحسين، مما يعزز دورة التعلم المستمر.
إن أحسن الآباء استخدامه؛ وقام المصمم التعليمي بدوره ربما شهد مفهوم ونظام التعليم وما يرتبط به من مفاهيم مثل: إدارة التعليم وجودة التعليم وتطوير التعليم…الخ والتي قطعت شوطاً كبيراً في تحولها نحو المفاهيم الرقمية؛ التحول نحو التغير الجذري تصبح عندها المباني التي تحوي المدارس والجامعات مزارات سياحية وتاريخية نُذكِر ابنائنا بأننا درسنا ودَّرسنا فيها اثناء اصطحابنا لهم في رحلات السياحة الداخلية، وستتغير تصورات الأجيال القادة للمدرسة والجامعة فلن تكون في تصوراتهم تلك المباني الضخمة التي تحوي ذلك الأثاث المبثوث في ارجائها، والبشر المنتشرون بجوانبها.
انتشرت في السنة الماضية العديد من مواقع التعلم التكيفي الذي تعمل بالذكاء الاصطناعي حاولت تقدم تصميمات تعليمية وكائنات تعلم مختلفة تلبي احتياجات المتعلم الشخصية، إلا اننا منذ أمس الأول الإثنين 13/5/2023 امام مشهد متجدد سيدفع الباحثين والشركات والمستثمرينلإعادة صياغة مفهوم التعليم والتعلم في ضوء التقنيات الجديدة، أهم ميزة فيه هي سرعة تكييف التعلم بما لا يتجاوز أجزاء من الثانية “تحليل وتصميم وتنفيذ وتفاعل” الأمر الذي كان يتطلب وقت وجهد وكلفةليس بالقصير للمصمم لإعدادها، وللمتعلم ليختار من بين تلك الأنظمة او الكائنات التعليمية في نظام التعليم الإلكتروني التقليدي او تلك المواقعوربما يجد او لا يجد ما يتناسب ومستوى تعلمه ونوعه ونمطه.
اما في التربية التقليدية فلم يكن متوفر من الأصل وإنما كانت محاولات خجولة وصعبة للغاية، وهذا بدوره يعني تجاوز الكثير من التحديات السابقة التي واجهة المصمم التعليمي بما يدفع لمجال اوسع من التعلم، تفتح امام الآباء فرصة عظيمة لتعليم ابنائهم وفق هذه المتغيرات الجديدة ووفق مفاهيم ومبادئ التعليم التكيفي، وأأمل ان نسمع تجارب الأباءوتبادلها بينهم لإثراء خبرات التعلم لدى الأبناء.
وفي الأخير السؤال الذي يظهر أمامي في هذه اللحظة:
ماهي الأدوار الجديدة للمعلم في ظل هذا الوضع القادم؟ وهل آن الآوانان يتحول إلى “مصمم” وهو ما ناديت به منذ اكثر من عقد من الزمن؟ وما هي قدرات مؤسسات إعداده على تجاوز هذه التحديات؟ وهل هي الأخرى سيتغير مفهومها وتصورات المجتمع عنها؟ وهل سيضل مفهوم المعلم مرتبط بالكيان البشري ام سيتحول للكيان الآلي في صورة من صور الصراع بين الإنسان والآلة كما يراها جيرد ليونهارد..؟!