جابر نفاع يكتب : الرياضيات تقرّر .. المقاطعة واجب شرعي ..!
على الرغم من جميع المعطيات غير المريحة والتقلبات المتسارعة التي يراها البعض غير مبررة للشارع الكويتي، والتي يتوجس منها كل من له حصه من غاز الحياة الذي بدأ يفتقد كثيراً من نقائه الذي اعتدنا عليه تحت سقف هذه البلدة الطيبة، و على الرغم من تلاحق المستجدات السياسية المقلقة والتي يتلمّسها المجتمع الكويتي بكافة مكوناته المختلفة وأطيافه المتباينة والتي تعكس بطبيعة الحال احتقاناً سياسياً واصطفافاً فئوياً وحشداً قبليّاً على كافة صوره الايجابية والسلبية منها، إلا أنه هناك ثمّة حقيقة بارزة ونتيجة مُشِعّة لا يمكن أن يتجاهلها ذو لب حصيف ، وهي أن الشارع الكويتي قد اكتسب حصيلة ثمينة وفريدة من مسلسل التجارب المتلاحقة والخبرات المتراكمة التي ساهمت وبصورة حقيقية بتشكيل وعياً سياسياً فاعلا ومؤثراً منقطع النظير.
o جهاز قياس الترمومتر ( Thermometer) :
ما يميز وطن النهار ويكسبه تفرداً خاصاً هو ذلك الموروث الاجتماعي الأصيل الذي يرتقي إلى المراتب العليا من قائمة الفخر والاعتزاز الكويتي والتي نسأل الله دوامها وهو ما يعرف ب “الدواوين” ، تلك الملتقيات الثقافية الأصيلة والاجتماعات الدورية المنعقدة التي نشأت منذ عقود طويلة ، كانت تلك الملتقيات ولازالت مجالساً مصغرة لمناقشة جميع الأمور المستجدة على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية ، مساحات رحبة من الآراء المختلفة وأراضي خصبة لبناء تصوراً حقيقيا وواقعياً عمّا يدور في الشارع الكويتي على جميع الأصعدة ، لن تجد في صدور تلك المجالس أثراً لصدأ التكسب أو المزايدات ، ولن تستشعر أيا من ريح الاصطفاف المصطنع، فالجميع يدلي بدلوه بفضاء رحب من الحرية بحسب طول رشاه ومتانته دون ثمة ضغط أو تأثير من سلطة أو فرد أو مكوّن ولذلك فلن تجد مقياساً أكثر حساسية من تلك الدواوين على انطباعات الأفراد وتعاطيهم مع القضايا المطروحة، ولن تجد معياراً أصدق انعكاساً من تلك الملتقيات غير الرسيمة التي تعكس آراء ومواقف مختلف مكونات الشارع الكويتي بكافة مستوياته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وهذا ما جعلنا نعتبر تلك الدواوين الترمومتر الأكثر حساسية والأصدق في قياس وتقييم نبض الشارع الكويتي وآرائه ، كما نتمنى صادقين أن تكون الكلمة في ذلك الفضاء لأولئك الحكماء شبابا وشيبا ، أولئك النجباء الذين يعول عليهم الجميع للوصول إلى حل ناجع لتلك المعادلة المعضلة التي اختلف على حلها كثير من النخب السياسية رغم بساطتها.
o القوانين الحسابية :
أتذكر الأستاذ عبد الفتاح رحمه الله، كان معلماً فذّا قُطِفت من نخلة عمره أكثر من ستين حبة رُطب، تعلمت مادة الرياضيات تحت وطئة صوته المنطفئ ، وبياض الزبد الذي اعتدنا عليه في زوايا شفتيه حينما كنا في الصف الثالث الثانوي في ثانوية صباح الناصر الصباح، مما تعلمناه من ذلك العالم المعلّم ، أن كل مسألة حسابية تواجهك مهما كانت معقدة فإن حلها يكمن في قانونها ، فمن يدرك القوانين الحسابية لن يعجز عن حل وتفكيك أي معضلة في عالم الرياضيات، وعندما نسقط تلك النظرية على معادلة واقعنا السياسي فلن نجد قانوناً ينطبق عليه سوى القانون التالي :
وبناءً عليه:
لا إصلاح يتحقق بلا “مشاركة” فاعلة وحقيقية في صياغة المؤسسة التشريعية
لا إصلاح يتحقق بلا “مقاطعة” صادقة وصارمة لكل اصطفاف طائفي وفئوي مقيت.
لا إصلاح يتحقق بلا ” الارتقاء عن” كل المصالح الآنية الوقتية وتجاوز التكسبات الشخصية الضيقة مقابل مستقبل البلد وأمنه واستقراره.
لا إصلاح يتحقق بلا “ضرب” للفساد والمفسدين ومواجهتهم من داخل المؤسسة التشريعية.
o علم المنطق :
عندما يتحدث المنطق .. نستمع له : فبما أن : الإصلاح يعد واجباً شرعياً على الجميع السعي إليه وتحقيقه كل بحسب مقدرته ودرجة صلاحياته ، فنتوصل رياضياً ومنطقياً إلى أن جميع المتطلبات الموصلة لذلك الإصلاح المنشود تعد واجباً شرعياً بما في ذلك .. المقاطعة ..!
o الخلاصة :
الأمر الأهم الذي تعلمناه من الاستاذ عبدالفتاح رحمه الله : أنه كل عملية حسابية مهما كانت صعوبتها ودرجة تعقيدها في نظر البعض ، فإن مفتاح حلها .. في جيب من صاغها ..!
جابر نفاع | مستشار مالي واقتصادي
www.JaberNaffa.com