د. سحر الخشرمي تكتب: التحكيم الزائف للأوراق العلمية
في الملاعب عامة، يقتل اللعبة تحكيم زائف لحكم ساخط أو متحيز أو حتى مقصّر في استكشاف تحركات اللاعبين، وتثير قراراته الزائفة والخاطئة سخط فريق من اللاعبين الذين عملوا بجدارة للفوز باللعبة، في حين يسعد بتلك القرارات الجائرة فريق آخر يعلم في سريرته أن خصمه لا يستحق ما جاء بذلك التحكيم.
مثل ذاك الوضع تماماً يحدث الآن في ملاعب المؤسسات العلمية والبحثية، فبعد مهزلة الشهادات المضروبة الزائفة والأبحاث المسروقة المتحايلة والنشر العلمي بمجلات مختطفة يديرها لصوص، ظهر لنا نوع جديد من التحايل العلمي (اللاعلمي) وهو التحكيم الزائف للأبحاث والأوراق العلمية Fake Peer Review، والسيناريو القائم في هذا النوع من التحايل يقوم على اختلاق الباحث (غير الواثق من عمله) لشخصية بحثية افتراضية لا وجود على أرض الواقع وترشيحها لجهة النشر لتحكيم بحثه، أو ترشيحه لباحث حقيقي يعمل فعلياً في إحدى المؤسسات العلمية للقيام بإجراءات التحكيم، إلا أنه في كلتا الحالتين يقدّم عناوين إلكترونية وبريدية زائفة اصطنعها بنفسه للمرشحين ليتم تحويل الأبحاث التي يرغب في نشرها لهم عبر جهة النشر، فتعاد معززة بتقارير ذاتية مضللة تبالغ في تقديرها لجهات النشر دون أي تحكيم حقيقي للبحث، بل حتى دون علم المحكم الحقيقي الذي تم اختطاف اسمه وإدراجه في التحكيم.
والبعض يلجأ لطرف ثالث في جهات خاصة تعرض خدماتها ليقوم نيابة عنه بتزييف تلك البيانات وإرسالها لجهات النشر ومن ثم التحكيم المزيف وإعادة التقرير للمجلة. وعلى الرغم من تلك المخططات الفردية الطامعة التي سعت في الخفاء لتلويث العلم، إلا أن العديد من مواقع النشر العلمية العالمية قد بادرت فعلياً بالتحرك الجاد للتصدي لها، فقد سحب موقع النشر Springer عام 2017 ما يصل إلى 107 أوراق علمية بعد نشرها في مجلة علمية متخصصة بأمراض السرطان كنتاج للتحكيم الزائف، ولكم أن تتخيلوا حجم الضرر الذي قد ينجم عن تبني نتائج مثل تلك الأبحاث، كما سحبت Springer عام 2015 ولنفس الأسباب ما يصل إلى 64 دراسة منشورة في عشر مجلات علمية متباينة، وسحبت BioMed Central بنفس العام 43 ورقة علمية من النشر حُكّمت تحكيماً زائفاً عبر متحايلين، والسرد يطول بنفس السياق لجهات علمية مرموقة أخرى.
والسؤال الذي يقلقني ويقلق كل نزيه في ملعب التعليم العالي المأخوذ بالتصنيفات العالمية بعالمنا العربي هو: إلى أي مدى بلغ الحماس والتمادي عند بعض الباحثين العرب لنشر أبحاثهم؟ وهل سقط البعض منهم طوعياً في وحل التسارع المغري للنشر الزائف؟ والأهم من ذلك، هل لدينا جهات تحكيمية علمية عادلة تتابع بجدية ما يدور في كواليس النشر الفاسد وتتصدى له؟
د. سحر الخشرمي