العلماء يفعلون ما اعتبره أينشتاين مستحيلًا في حساب وزن النجوم
عندما كان ألبرت أينشتاين يرسم لنا نظريته الشهيرة للنسبية العامة، لم يكن يعتقد أن أحد تنبؤاته التي تضمنتها سيمكن مشاهدته بشكل مباشر، ضوء نجم بعيد تجري عملية تشويهه وتضخيمه من جاذبية جسم واقف في طريقه. لكن المفاجأة التي لم يتوقعها أينشتاين تحققت بالفعل، فقد تمكن الفلكيون الآن من رؤية تنبؤ أينشتاين في الوقت الحقيقي لحدوثه، ليس هذا فحسب، لكن هذه التجربة والتنبؤ المثيرين جرى استخدامهما لحل لغز مقدار كتلة النجوم البيضاء القزمة، وهو المقدار الذي كان ممكنًا في السابق من الناحية النظرية فقط.
نظرة جديدة للكون
هذه النتائج الجديدة تخلق طريقًا جديدًا لفهم تطور المجرات، بما في ذلك مجرتنا نحن، درب التبانة. يقول تيري أوزوالت، عالم الفلك في جامعة إمبري ريدل للطيران، ومؤلف مقالة لها علاقة بهذه النتائج الجديدة، إن الدراسة الجديدة توفر أداة جديدة لتحديد كتل الأجسام التي لا يمكننا قياسها بسهولة بوسائل أخرى.
أحد التنبؤات الرئيسية التي ذكرتها النظرية النسبية العامة لأينشتاين هي «عدسة الجاذبية – gravitational lensing»، وهي الظاهرة التي تحدث عندما ينحني الضوء حول مجال الجاذبية الخاص بكتلة أخرى، مثل نجم. في هذا التنبؤ، ينحرف الضوء بمقدار ضعف الكمية المتوقعة من قبل قوانين نيوتن الكلاسيكية الخاصة بالجاذبية.
طُرح هذا الانحراف للضوء الذي اقترحه أينشتاين، للمرة الأولى في عام 1919 خلال خسوف الشمس الكلي، عندما أمكن الكشف عن ضوء مجموعة نجوم «هيادس» التي كانت تختبئ وراء الشمس في الظلام. بمعنى آخر يمكن القول إن هذه المجموعة حدث انحراف لضوئها عند مروره بالقرب من الشمس مما أدى لرؤية المجموعة رغم أنها كانت تختبئ بالكامل خلف الشمس وقت الكسوف ولم يكن من المفترض أن نراها.
في الواقع، تماشت قياسات ضوء النجوم التي تعبر حقل الجاذبية الخاص بالشمس خلال الكسوف مع تنبؤ أينشتاين، وكان هذا الإثبات هو الدليل التجريبي الأول على صحة نظرية النسبية العامة. يذكر أنه في يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1915، قدم العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين النظرية النسبية العامة للعالم وذلك أمام «الأكاديمية البروسية للعلوم» في برلين.
النظرية التي قدمت على أنها نظرية معتمدة على المعادلات والإثباتات الرياضية دون أي تجارب علمية تثبت الادعاءات الموجودة بها، تسببت في ثورة علمية لا مثيل لها وأدت إلى تغيير مسار العلم والفيزياء بل وحياة البشر أنفسهم. وبالرغم من أن المجتمع العلمي في ذلك الوقت لم يستطع تقبل هذه النظرية «الثورية» التي انقضت على مبادئ الفيزياء الخاصة بالعالم الإنجليزي إسحق نيوتن، إلا أن العديد من العلماء ساهموا في إثبات هذه النظرية عبر العديد من التجارب العملية بعد ذلك، ليرتفع شأن أينشتاين للقمة.
انحناء الضوء
ومع أخذ نظريته خطوة أبعد من ذلك، اقترح أينشتاين في وقت لاحق أن ضوء نجم بعيد سيبدو ساطعًا عندما ينحني حول مجال الجاذبية الخاص بجسم يوجد في طريقه. الفكرة هنا أن الفضاء المنحني المحيط بكائن ضخم يتصرف مثل عدسة مكبرة عملاقة.
من الأرض، عندما يمر نجم في المقدمة بيننا وبين نجم في الخلفية، فإن تأثير عدسة الجاذبية هذا «gravitational microlensing» يشكل حلقة أينشتاين «Einstein ring»، وهي دائرة متكاملة ومتناسقة من الضوء، ولكن نظرًا لأن النجوم متباعدة كثيرًا عن بعضها البعض، فإن احتمالات رؤية مثل هذه الانتظام المثالي للضوء ضئيلة للغاية.
وقد ذكر أينشتاين نفسه بشكل تشاؤمي أنه «ليس هناك أمل في مراقبة هذه الظاهرة بشكل مباشر»، وذلك في
مقال علمي له عام 1936.
ويبدو أن أينشتاين كان على حق في عدم التفاؤل تجاه هذا الأمر. ففي حين لوحظت حلقات أينشتاين جزئية عدة مرات في السنوات الثمانين التي انقضت منذ نشر أينشتاين نظريته النسبية، لم نر أبدًا حلقات مثبتة تمامًا في السماء.
وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي في القرن الماضي، نحن أيضًا لم نكن قادرين على التقاط لمحة عن الجانب الآخر، حلقة أينشتاين غير متناظرة. ويحدث هذا عندما يكون جسمان متحاذيان بشكل شبه كامل وليس كاملًا، هذا الأمر يؤدي إلى خلق وهم أن موقع النجم الخلفي قد تغير أو تزحزح. في تنبؤ أينشتاين، تعرف هذه الظاهرة بالعدسات الفلكية «astrometric lensing».
تليسكوب هابل
بفضل التكبير الزاوي الفائق لتليسكوب الفضاء هابل، تمكن الباحثون من معهد علوم تليسكوب الفضاء أخيرًا من رؤية هذه الظاهرة غير المتماثلة وهي تعمل بالفعل في نجم آخر غير شمسنا. يقول أوزوالت: «كانت الحلقة وسطوعها صغيرين جدًا بحيث لا يمكن قياسهما، لكن عدم التماثل أدى إلى ظهور النجم البعيد بعيدًا عن مركز موقعه الحقيقي». كايلاش شاندرا ساهو، المؤلف الرئيسي والفلكي في معهد تلسكوب الفضاء الأمريكي، وفريقه، بحثوا خلال أكثر من 5000 من النجوم من أجل ملاحظة هذه المحاذاة غير المتماثلة.
وركز الباحثون على نجم قزم أبيض يسمى «شتاين 2051 ب»، والذي كان من المقرر أن يكون على انحياز بشكل غير متماثل مع نجم بعيد، ومع تغير موقع الظاهري للنجم الخلفي، تمكن الباحثون من استخدام القياسات لتقدير كتلة القزم الأبيض ليكون 68% من كتلة شمسنا.
حتى الآن، لم يتمكن العلماء من معرفة كتلة وتكوين «شتاين 2051 ب». لأكثر من قرن من الزمان، كان يعتقد أن النجم – وهو سادس أقرب نجم قزم أبيض إلى الشمس – ذو تكوين غير عادي، وكتلة منخفضة، ونواة من الحديد، ولكن النتائج الجديدة تبين أن «شتاين 2051 ب» يشبه في الواقع قزم أبيض متوسط، مع كتلة عالية نسبيًا ومركز من الأكسجين والكربون.
ويعتقد أن ما لا يقل عن 97% من النجوم الموجودة في المجرة إما من الأقزام البيضاء أو في طريقها لتصبح منها، وهي تمثل نهاية الطريق في رحلة التطور النجمية، وتقدم لمحة عن الماضي ومستقبل الكون. يقول أوزوالت: «لأنها بمثابة الأحفورات الخاصة بجميع الأجيال السابقة من النجوم، الأقزام البيضاء هي مفتاح فرز تاريخ وتطور المجرات المختلفة ومن بينها مجرتنا».
مع بعض عمليات المسح الضخمة التي سيقوم بها العلماء في المستقبل القريب، مثل تلسكوب المسح المجهري الكبير، من المرجح أنه سيُرصد عدد أكثر من هذه الأحداث النادرة، ومن الناحية النسبية، ورغم تشاؤم أينشتاين، إلا إنه كان ليكون فخورًا جدًا بعمله.
الأقزام البيضاء
القزم الأبيض هو نوع من أنواع النجوم الموجودة في مجرتنا مجرة درب التبانة، وله حجم صغير في حدود حجم الكوكب، ولكن كثافته عالية، تصل إلى مليون مرة قدر كثافة الشمس، وألوانه تتنوع ما بين اللون الأبيض والأصفر.
والأقزام البيضاء هي نجوم قليلة اللمعان في السماء وبالرغم من كونها داكنة وصغيرة الحجم كحجم كوكب الزهرة، فهي تحوي كثافة مادية عالية جدًا، وهذه المادة في داخل القزم الأبيض مكدسة بشكل مضغوط حيث تكون كثافة السنتيمتر المكعب ما بين طن إلى عشرة أطنان من المادة تقريبًا، ويرجع السبب إلى أن نجوم الأقزام البيضاء لا تولد الطاقة النووية، إذ إنها تبدأ بنجم متوسط الحجم (مثل شمسنا) وتنتهي حياتها في هيئة القزم الأبيض.
يكون النجم قد استنفد معظم الهيدروجين فيه ويتوقف الاندماج النووي فينكفئ على نفسه وتتكدس كل كتلته في قلبه الذي يصبح شديد الكثافة، وتعتبر الأقزام البيضاء نجوما تحتضر وسطوحها ساخنة بدرجة غير اعتيادية، بسبب انكفائها على نفسها تحت تأثير الجاذبية، وهي تفقد حرارتها رويدًا رويدًا عن طريق الإشعاع.