“صلة الرحم .. بركة فى الرزق ” بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
صلة الرحم هى أقوى وأوجب الصلات التى يجب أن نحافظ عليها لأنها صلة تجمع شركاء الدم وهم أولى القربى الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) فهذه الصلة العظيمة منصوص عليها فى كتاب الله و نحن مأمورون بتقويتها دائما ، ويقينا أن نصوص كتاب الله لا تتعارض مطلقا مع غرائز النفس البشرية فنجد أن أحب الناس لقلوبنا هم الأبناء والأشقاء والوالدين ثم الأبعد فالأبعد ، وعلى ذلك نجد أن هذا الحب الفطرى يترتب عليه محبة العم والخال والعمة والخالة وأبنائهم ، وهذا الحب الذى يجمع الأقرباء هو كالدم فى الجسد كلما نشط جريان الدم كلما تعافى الجسد وصح وقويت مناعته ضد الأمراض الدخيلة .
ولقد إختص الله واصل الرحم بالرحمة والبركة فى المال والأهل والأبناء لأن صلة الرحم أساس لأى مجتمع أخلاقى وتكسب الإنسان من الصفات المحمودة الكثير والكثير فهى ترقق المشاعر وتزيح الهموم وتفتح أبواب الرحمة والتكافل بين ذوى القربى ومن ثم المجتمع بأكمله .
لصلة الرحم أيضا فوائد أخرى عظيمة ففضلا عن أنها موجبة لرحمة الله بعبده ونجاة له فى الآخرة فهى أيضا كما أخبرنا النبى الكريم ص منسأة للعمر وبركة فى الرزق ، والعجيب أن قول النبى ص قد أكدته أبحاث فى جامعات غربية وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية كلها توصلت إلى نتيجة واحدة وهى أن الاشخاص الإيجابيون أصحاب الذكاء الاجتماعى والإبتسامة والبشاشة الذين يدركون معنى وقيمة التواصل الإجتماعى مع الأقارب والآخرين هم الأكثر صحة والأطول عمرا ومعافاة فى أبدانهم وذلك إنعكاسا لنشاطهم الوجدانى فى التفاعل الإيجابى مع المحيطين بهم ، وفى العاصمة السويدية ستوكهولم توصلت بعض الجامعات إلى دراسات والتى إستمر بعضها حوالى 30 سنة أن ضربات القلب لدى الإجتماعيون الإيجابيون يتفاوت عددها على مدار اليوم وذلك مؤشر يدل على صحة هذه القلوب بعكس الإنعزاليون السلبيون الذين يثبت عندهم معدل ضربات القلب وذلك يؤثر على نشاطهم البدنى وبالتالى حياتهم مهددة بالخطر فى أى لحظة .
و التواصل الصحى والوجدانى الإيجابى المقصود هو ذلك التنوع فى التواصل مع الأقارب بمختلف أعمارهم وأجناسهم وطباعهم ومع الأصدقاء والجيران والمعلمين و رجال الأمن وموظفين الخدمة المدنية وكل شرائح المجتمع وإن كان التواصل مع الأقارب على رأس هذه الاولويات ، ولكن التعامل مع شريحة واحدة فقط لا يعطى هذا التنوع المعرفى والتوازن النفسى والزخم الروحانى .
ولكن وللأسف الشديد وعلى الرغم مما إستعرضناه فى هذه المقالة من فوائد فضيلة صلة الرحم إلا أننا أصبحنا نفتقد تدريجيا هذه العبادة والفضيلة بسبب إستبدالها بالتواصل الإليكترونى عبر مواقع التواصل الإجتماعى وهى العادة التى أفقدت الناس مهارة التواصل الإجتماعى الحقيقى والذى يؤثر حتما على تماسك المجتمع و يؤدى إلى فقدان المشاعر و تبلد الإحساس بالآخرين وقسوة القلوب و جفاء الروح وهيمنة الفكر المادى على الحياة ولا سبيل للخلاص من هذه القيود المصطنعة إلا بتفعيل الفطرة السوية من التفاعل الحقيقى الصادق بين الناس وذلك بلا شك هى مسئولية تقع على عاتق الآباء تجاه الأبناء وأن لا يكون الآباء قدوة لأبنائهم فى هذا المسلك السئ ذو التأثير السلبى على الروابط الأسرية ومن ثم المجتمع بأكمله .فكم من أباً تجاهل الجلوس مع أبناءه وجها لوجه وإكتفي بمتابعتهم من خلال وسائل التواصل الإجتماعي الكاذب والخادع فجلوس الآباء مع الأبناء ومناقشتهم في أمورهم تحميهم وتعزز ثقتهم بأنفسهم مما يجعلهم أعضاء نافعين للمجتمع .
وكم من الأيام تضيع من أعمارنا ونحن نجهل هذه الحقائق والتى علينا أن نتواصى بها ونذكر بعضنا البعض بأن السعادة فى الدنيا لا تتعارض مع السعادة فى الآخرة وأن رضا الله لا يقترن بشقاءنا ولكن أعمال يسيرة تجعلنا على صراط مستقيم.