“الطفحة” .. سنة خير وانتعاش اقتصادي في تاريخ الكويت القديم
كانت الكويت قبل نحو قرن من الزمان وتحديدا في عام 1912 على موعد مع فورة اقتصادية ضخمة غير مسبوقة عمت البلاد وادت الى وفرة مالية انعكست على الحالة العامة للبلاد والمواطنين فأطلقوا عليها سنة (الطفحة) أي الزيادة في الشيء أكثر من الحاجة.
وشهدت الكويت في ذلك العام أكبر نشاط اقتصادي في تاريخها القديم حيث بلغ عدد سفن الغوص بحثا عن اللؤلؤ أكثر من 800 سفينة من مختلف الأنواع تجاوز دخلها ستة ملايين روبية محققا رقما قياسيا فاق كل السنين السابقة ما جعل الكويتيين يؤرخون هذه السنة نسبة الى الوفرة المالية التي تحققت فيها.
وترجع الأسباب التي دعت الكويتيين إلى مضاعفة نشاطهم البحري والتجاري في تلك السنة إلى ما حدث عام 1910 عندما نشبت معركة (هدية) التي استنزفت أموالا كثيرة منهم ما اضطر حاكم الكويت انذاك الشيخ مبارك الصباح إلى تعطيل رحلات الغوص.
وأدى ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة من كبار تجار اللؤلؤ من البلاد إلى دول مجاورة لكن الشيخ مبارك الصباح استرضاهم ثم عادوا سنة 1911 فانطلقت السفن من جديد في عام 1912 بأعداد هائلة لتعوض خسارة العامين الماضيين.
وكان موسم الغوص قديما يحدث في العادة مرة واحدة في فصل الصيف إلا أنه في سنة (الطفحة) أصبح موسمين حيث ذهبت السفن للبحث عن اللؤلؤ قبل شهر رمضان ثم عادت الى البلاد لصيام الشهر الكريم وبعد عيد الفطر خرجت الى الغوص مرة اخرى ومن هنا جاءت وفرة الايرادات.
وشهدت سنة (الطفحة) تضاعف حجم قوة العمل في كافة المهن التي تتعلق بالبحر حيث بلغ عدد العمال نحو 30 ألف شخص منهم (القلاليف) وهم صناع السفن ومنهم من يعمل في (العماير) وهم المتخصصون في بيع مستلزمات الغوص والسفن إلى جانب البحارة وباقي طاقم السفن وهو رقم كبير مقارنة بعدد سكان الكويت الذي كان لا يزيد عن 110 آلاف نسمة.
أما عدد سفن السفر التي أبحرت في سنة (الطفحة) فقد بلغ 200 سفينة ووصل عدد من عمل عليها من الرجال إلى ستة آلاف فيما كان إجمالي دخل حمولتها من البضائع في رحلتي الذهاب والإياب أكثر من مليون روبية.
ويرى كثير من الباحثين أن سنة (الطفحة) تعد مؤشرا مهما يبين أهمية الكويت التجارية والاقتصادية في المنطقة قديما فقد كانت معبرا تجاريا يربط بين الهند وشرق إفريقيا وشكلت محطة (ترانزيت) للبضائع كما كانت مركزا صناعيا مهما في المنطقة حيث أن السفن التي كانت تقوم عليها تجارة الغوص كويتية الصنع وتعتبر من أفضل وأقوى وأكبر السفن في المنطقة.
وأدى النشاط البحري الضخم الذي حدث في تلك السنة إلى زيادة حجم المبالغ المحصلة من ضريبة التجار لصالح خزينة الدولة وكانت الضريبة تسمى (قلاطة الشيوخ) وتوازي ثلاثة أسهم من أصل 81 على كل سفينة أي ما يعادل 3ر7 في المئة من إجمالي الموسم وبلغت نحو 222 ألف روبية في عام 1912 وهو مبلغ قياسي.
ومن مظاهر الوفرة المالية ان دخلت فئة ال(الف روبية) من العملة الهندية التي كان يتعامل بها الكويتيون قديما وهي فئة جديدة في التعامل وذلك كان نتيجة لحجم السيولة الكبير المستجد في البلاد.
وتركت الزيادة في دخل الغوص أثرا كبيرا في زيادة حجم العمل والرواج الاقتصادي وتوسع الأسواق التجارية الجديدة في الكويت التي تجاوز عددها 40 سوقا ولكل منها نشاط يختلف عن الآخر.
واستطاع المواطنون تسديد الديون التي تراكمت عليهم من سنوات سابقة كما استقبلت البلاد الكثير من الباحثين عن العمل من دول قريبة لتوافر العمل والرزق فيها.
وانتعشت ايضا حركة التصدير إلى العراق والشام ومارس الكويتيون التجارة مع أسواق جديدة ما أدى إلى مزيد من الازدهار الاقتصادي في البلاد لتصبح سنة (الطفحة) علامة فارقة في تاريخ الكويت والكويتيين. (كونا)