لماذا يبرع البعض في الرياضيات دون غيرهم؟
نحن جميعًا مولودون وبداخلنا غريزة لمعرفة الأعداد بشكل فطري؛ وهي الموهبة المسؤولة عن تقدير ومقارنة كميات معينة من دون عدّها فعليًا، وهذا ما نقوم به تلقائيًا حين نختار أقصر طريق للخروج من السوبر ماركت أو معرفة عدد التفاح الموجود في وعاء ما. لكن هذه الغريزة تكون أقوى عند بعض الناس دون غيرهم. وقد أوضحت بعض الدراسات المنشورة في عام 2013، أن هذه القابلية الفطرية هي اللبنة الأساسية لتعلم الحساب ويمكن تدعيمها بالإرشادات والتعليمات.
وقد وجد الباحثون اختلافات تركيبية في عقول الأطفال الذين استجابوا بشكل أفضل للدروس الخصوصية. تقول إليزابيث برانون، عالمة نفس في جامعة «ديوك»: «الاكتشافات الجديدة قد تؤدي في النهاية إلى إيجاد طرق أفضل لمساعدة الأطفال في إتقان الرياضيات».
وفي دراسة أجرتها إليزابيث برانون مع زملائها من جامعة «ديوك» وبالتعاون مع جامعة «جونز هوبكنز»، إذ اعتمدت الدراسة على عرض سلسة من النقاط على أطفال تتراوح أعمارهم من أربعة إلى ستة أشهر، ويتم تغيير عدد النقاط بشكل دوري. استدل الباحثون على قدرة الأطفال على ملاحظة الاختلافات والفروق في عدد النقاط عن طريق إطالة نظر الأطفال إلى مصفوفة النقاط بعد تغيير عدد النقاط فيها.
وكما هو متوقع، كان لدى بعض الأطفال غريزة رقمية أقوى من بقية أقرانهم. وبعد مرور ثلاث سنوات أجريت دراسة على الأطفال نفسهم لاختبار مهارتهم في الرياضيات، مثل اختبار مدى معرفتهم بالأرقام ومقدرتهم على العد للرقم 10. واكتشفوا أن الأطفال الذين امتلكوا الحس الرقمي الأقوى في الدراسة السابقة هم الأكثر براعة في الرياضيات في سن الثالثة، بغض النظر عن ذكائهم بشكل عام.
لكن الإنسان لا يتقيد بإمكانات فطرته المحدودة؛ ففي دراسة أجرتها «إليزابيث برانون» مع زميلها جونكو بارك اختير فيها 52 متطوعًا راشدًا للمشاركة في بحث لمعرفة ما إذا كان شحذ الفطرة الرقمية أو الحس الرقمي لدى الإنسان يساعد على صقل مهارات الرياضيات العليا. أولًا: قام المشاركون في الدراسة بحل عمليات حسابية متوسطة الصعوبة، بعدها خضعت نصف مجموعة المشاركين في الدراسة إلى 10 دروس قاموا بها بعمليات حسابية ذهنية إضافة إلى التعامل مع أعداد كبيرة من النقاط في المصفوفات، بينما لم يحظَ النصف الآخر من المشاركين بهذه التمارين. وبعد ذلك، خضع جميع المشاركين لحل عمليات حسابية من جديد، وقد وجد الباحثون أن مهارات الرياضيات من المتطوعين الذين خضعوا لتمارين المصفوفات قد تحسنت بشكل ملحوظ مقارنةً بالمجموعة الأخرى.
هذه وغيرها من الدراسات الأخرى أظهرت أن الحس الرقمي لدى الإنسان ومهارة الرياضيات لديه مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا، «فبتطوير واحدة منهما، تتطور الأخرى»، كما تقول إليزابيث برانون. كما يمكن للألعاب الرقمية التي تشحذ وتقوي قدرة الحس الرقمي للأطفال أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا على تعلُّم الرياضيات.
وفي دراسة أخرى نشرت في أبريل(نيسان) تساعدنا على تفسير استجابة الأطفال للدروس الخاصة بشكل أفضل من أقرانهم. قام علماء من جامعة ستانفورد بوضع 24 طالبًا من طلاب الصف الثالث في برنامج لتدريس الرياضيات لمدة ثمانية أسابيع، فتراوحت نسبة تحسين مهارة الأطفال في الرياضيات من 8 إلى 198 في المائة.
ولا ترتبط النتيجة باختبار الذكاء أو اختبار الذاكرة أو حتى اختبار القدرة المعرفية، ولكن تصوير الدماغ أظهر أن الأطفال المشاركين في برنامج الرياضيات، يمتلكون مخًا أكبر ومساحة واسعة من الذاكرة، إضافة إلى قوة الوصلات العصبية التي تربط المخ بمناطق الذاكرة طويلة المدى ومناطق بناء العادات في مخ الإنسان.
ويقول فينود مينون، عالم في علم الأعصاب بجامعة ستانفورد والمؤلف الرئيسي للدراسة، «إن هذا يعطينا أدلة على أنظمة الذاكرة التي يستخدمها الدماغ لبناء المعرفة، كما أن نتائج هذه الأبحاث سوف تسلط الضوء على أصول صعوبات تعلم الرياضيات، وأيضا إلى تحسين البرامج التعليمية للأطفال الذين يعانون في تعلُّم الرياضيات».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».