قسم السلايدشو

ذكريات مدينة الخير.. لماذا هدم مدرسة الأحمدي؟

د. حسن جاسم أشكناني

أستاذ الانثربولوجيا وعلم الآثار – جامعة الكويت |

مع زحف الجرافات إلى داخل أسوار مدرسة الأحمدي، تعالت أصوات أهالي المدينة الجميلة مدينة الذهب الأسود التي تحمل كل ذكريات النهضة والتغير الاقتصادي والاجتماعي والتطور العمراني، المدينة التي فتحت باب الخير للكويتيين الأبناء والأجداد ولأجيال من إمارات الخليج سابقا ودول أخرى عربية وأجنبية، فكانت الاتصالات بين الاهالي المتواجدين داخل الكويت، ومن في الخارج للسياحة او العلاج يبثون شكواهم وأسفهم على هدم أحد أبرز معالم المدينة، وهي مدرسة الأحمدي المشتركة للبنين التي تأسست في بداية الخمسينات، وانضم إليها أبناء موظفي شركة النفط، مطالبين وزير التربية والتعليم العالي للتنسيق مع وزير الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بوقف الهدم وامتلاك المبنى، ليصبح مبنى تاريخياً تراثياً يوثق عملية التعليم في أحد أهم مدن دولة الكويت، كما حصل مع المدرسة الشرقية في منطقة شرق في يناير 2011، حيث تم تخصيص جزء من المبنى لتأسيس المتحف البحري، أو كما حصل مع المدرسة المباركية، حيث تم تخصيص كل المبنى لتأسيس متحف التعليم النظامي الذي افتتح في يناير 2012.

وفي اتصال من الولايات المتحدة الاميركية مع العم حسين جعفر البيرمي الذي آلمه خبر هدم مدرسته الجميلة التي حملت ذكريات الطفولة والشباب مع أصدقائه وأهالي المنطقة، والذي كان يتمنى أن يدافع عن أحجارها، لولا وجوده في رحلة علاج، إلا أن الأصدقاء تجمعت ذكرياتهم واسترجعوا أيام الدراسة قبل أكثر من 50 عاما، وتواصلوا عبر وسائل الاتصال يستذكرون مديري واساتذة المدرسة، وما تبقى من هذه المدينة التي تعتبر المدينة الوحيدة التي مازالت تقريبا على حالها لأكثر من 60 عاماً، فكانت ذكرياتهم كأنها حدثت بالأمس في سهب الأحداث والتفاصيل والأسماء، مشددين على تدخل الدولة والمسؤولين ومحبي تاريخ الكويت لوقف هدم هذه المدرسة وإبقاء جزء بسيط من هذه المدينة التي عانت من إزالة معالمها التاريخية، فكان لسان حال الأهالي «كانت مدينتنا ذهباً وكنزاً من التراث».
تاريخ عريق

ولو كان هناك حرص في الحفاظ على روح هذه المدينة لأصبحت اليوم متحفا متجولاً للأهالي والزوار، فكل بقعة من مدينة الأحمدي يحكي تاريخاً مرتبطاً بالنهضة العمرانية والاقتصادية، فأصبحت مدينة نموذجيا آنذاك من خلال طرازها القديم، ويمكن أن تصبح أكثر تميزاً بالحفاظ على مبانيها لتتحول الى متحف وطني مفتوح يحكي تاريخ أبناء المدينة في مدينة النفط التي تحولت قبل نصف قرن الى عروس وسط الصحراء، فيمكن من خلال الإبقاء على تلك المباني والمرافق القديمة والتراثية غرس قيم حب التاريخ والاهتمام بذاكرة الوطن، حيث تتسارع الجامعات العالمية من خلال تخصص Public Archaeology أو Cultural Resources Management أي الآثار العامة او ادارة المصادر الثقافية في المسارعة بحفظ الآثار الحضرية التي يتجاوز عمرها 50 عاما، لانها تشكل جزءاً مهماً لذاكرة جيل متواجد او الجيل التابع، فتكون شاهدا على انجازات وثقافات وسلوكات مجتمعات وافراد ساهموا في تاريخ المدينة المحددة.
مديرو واساتذة مدرسة الاحمدي

تميزت مدرسة الاحمدي ببنائها الجميل ومدخلها المميز الذي صمم باستخدام المزيج من الاسمنت والحصم والاعمدة المكسية بالفسيفساء «قديما» ليشكل واجهة صخرية تعبر عن الفن في التصميم في الخمسينات. فبدأت المدرسة مشتركة لمرحلتي الابتدائي والمتوسط، ولكن كانت البداية في مدرسة البردي التي هي اساسا مدرسة وسكن لتدريب موظفي النفط، وحتى 1959 تم الانتقال الى مدرسة الاحمدي المشتركة للبنين. وكان اساتذتها ومديروها من اكبر القياديين في بلدانهم فيما بعد، خصوصا في الدول التي شهدت النهضة الشاملة في السبعينات، مثل الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، بل كانت مركزا تعليميا لابناء العاملين في النفط من فلسطين المحتلة والاردن ومن امارات راس الخيمة ودبي وعجمان والفجيرة والقليل من ابوظبي (قبل انشاء الاتحاد) ومن لبنان واليمن. وكثير من خريجي مدرسة الاحمدي اصبحوا قياديين مرموقين واصحاب اعمال في دولهم.

وكان اول ناظر لها هو أبوزهير كبير في السن من اصل فلسطيني، ولم يبق طويلا فتم تعيين هاشم بوعمارة اردني الجنسية، وبعدها ترك الكويت واصبح سفيرا لبلاده في المغرب ودول اخرى. وكان قبلها في عام 1956 ارسلت الكويت السيد هاشم الى دبي للاشراف المباشر على البعثة التعليمية الكويتية، ومن ثم انتقل الى الكويت عام 1959 / 1960 ليصبح ناظرا لمدرسة الاحمدي. والاستاذ عدنان بوعوده الذي اصبح فيما بعد وزيرا للاعلام في عهد الملك حسين، ثم وزيرا للبلاط الملكي لفترة طويلة.

وكانت السكرتارية باشراف المرحوم الاستاذ محمد نوري كويتي الجنسية، ومن ثم استاذ خيري، ومن المدرسين الاوائل في المدرسة أشرف الشوا (فلسطيني) وعبدالرحمن جودة (فلسطيني)، والاستاذ محمد المدهون (فلسطيني)، وعبدالله العصار (فلسطيني)، وحسن السوداني استاذ اللغة العربية والتربية البدنية، والاستاذ عبدالله التركيت (كويتي)، وصالح القزاز (مصري)، وعبدالله العصار، والاستاذ هاشم حسنين مدرس التربية البدنية أطال الله في عمره الذي مازال يعيش في الكويت ويتواصل مع طلبته. والاستاذ الفنان المشهور محمد الحديدي (مصري) الذي اشتهر برسم لوحات من البيئة والتراث الكويتي (ولم تنته قائمة المدرسين التي استذكرها العم محمد عبدالله القطان مع البيرمي (طالبا المرحلة الابتدائية في المدرسة 1959).

هدم المباني التاريخية

ربما يتصور البعض ان هذا هو المبنى الاهم ضمن المباني القليلة، التي تمت ازالتها في مدينة الاحمدي، ولكن للاسف هناك اكثر من 10 مبانٍ تم هدمها في هذه المدينة التاريخية، التي تعتبر متحفا مفتوحا لأهالي الكويت، ومن تلك المباني التي اختفت:

1- مبنى التدريب في الاحمدي، وكان يتم فيه توظيف وتدريب عمال وفنيين في صيانة الحقول والمصافي، وكان مبنياً على طراز المنزل العربي، حيث ان الحوش او الفناء يتوسط المبنى، والمكاتب والفصول الدراسية على الجوانب، ويعرفه تماماً موظفو الجيل الاول، حيث كانت الانطلاقة من هذا المبنى، الذي هدم فيما بعد، وتحوّل الى مدخل سيارات ومواقف لإحدى مباني شركة نفط الكويت.

2- مبنى قصر الضيافة في شمال الاحمدي، وكان مقرا للضيوف الكبار، وربما هو نفس المبنى الذي استضاف الملك سعود بن عبدالعزيز في زيارته للكويت 1961.

3- مواقف باصات نقل الموظفين والعمال في الشركة، وكانت تعتبر مكانا تاريخيا للاهالي وموظفي الشركة، فكانت نقطة الانتقال الى معالم المدينة، كمستشفى الاحمدي والاندية (الاتحاد والحبارى)، وتم استبدالها بموقف صغير مصنوع من الحديد.

4- بيوت سكان «عرب فلج» Arab Village، التي هدمت بعد التحرير، وكان اغلب سكان تلك البيوت من الكويتيين وبعض الاماراتيين والعمانيين.

5- العديد من المنشآت والعلامات التي تتميز بها مدينة الاحمدي كمدينة حضارية من الطراز الاوروبي (الانكليزي).

مساعي المجلس الوطني للثقافة

لقد حاول ولا يزال المجلس الوطني يتبع سياسة حميدة في استملاك بعض المباني التاريخية والتراثية، لتصبح تحت اشرافه، ويمكن استغلالها كمتحف او مركز ثقافي، حيث شهد المجلس في العقد الاخير تطوراً ملحوظاً في استملاك تلك المباني وافتتاح المراكز، مثل متحف التعليم النظامي في المدرسة المباركية، والمتحف البحري في جزء من المدرسة الشرقية، ومتحف الشرطة في مخفر بنيد القار، الذي يعود الى الستينات، وعمارة العيسى التي رُممت مؤخرا كشاهد على العمارة الكويتية القديمة، ومثالٍ على مخازن الكويت قبل أكثر من 120 سنة، لتخزين الادوات والقطع الخاصة لبناء السفينة والغوص، والمدرسة القبلية التي اصبحت مركزاً ثقافياً، والمدرسة الشرقية للبنات، التي أصبحت متحفاً للفن الحديث منذ 2003.

ومع التوسع العمراني والتطور في إنشاء المتاحف والمؤسسات الثقافية في دولة الكويت، كان بالامكان استغلال مدرسة الاحمدي، او جزء منها، ليحكي تاريخ التعليم في مدينة الاحمدي، خاصة ان هناك من جيل الرواد، اطال الله في عمرهم، يحمل ذكريات وصوراً ومقتنيات يمكن الاستفادة منها في توثيق التعليم في المدنية، كما ان بعض اجزاء المدرسة الاصلية ما زالت موجودة من ابواب ونوافذ، خاصة ان هناك مطالبات من الاهالي ولقاءات منذ 2006، اي قبل 10 سنوات، بإيقاف الهدم للحفاظ على المبنى، ليوثق جانباً مشرقاً من تاريخ المدينة، الذي هو إضاءة أجمل لتاريخ الوطن.
المدرسة في المرحلة الأخيرة

بعد تحرير الكويت 1991 استغل مبنى مدرسة الأحمدي عن طريق شركة تعليمية خاصة، وتخصيصها كمدرسة هندية، حتى حصلت هذه الشركة على موافقة الجهات المختصة كترخيص لهدم المدرسة وبناء أخرى جديدة.

(القبس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock