كتاب أكاديميا

القانون يحمي الـمُغفلين ! كتب : فهد الحداد


• لعل مقولة ( القانون لا يحمي المغفلين ) بلغت من الشهرة والإنتشار حداً كبيراً ، حتى اصبحوا هم قلة الذين لا يعرفونها ، ويستخدمها الكثير من الناس في مواقف مختلفة تحذيراً أو إرهاباً لكل من يدخل في علاقة قانونية إعتقاداً بصحتها بلفظها المطلق .

إلا أن هذه المقولة بإطلاقها غير صحيحة ومخالفة للواقع القانوني ، وتجدر الإشارة للتفريق بين الحقيقة التي يقررها القانون والحقيقة كما هي على أرض الواقع، فليس كل حقيقة قانونية مطابقة للحقيقة الواقعية، والمغفل يختلف عن “المفرط” كما جاء في القاعدة الفقهية أن (المفرط أولى بالخسارة) والمفرط هو من تنازل عن حقه بإرادته طواعية وهذا أيضاً يعد مغفل ولكن المعنى الواسع للمغفل يشمل كذلك من أستغفل من قبل طرف أخر إستغفله حتى يحقق غاية في نفسه، وكذلك يشمل المعنى الواسع للمغفل حسن النيه الذي يستغل من قبل الغير وهؤلاء جميعاً قرر لهم القانون حماية قانونية بإستثناء المتنازل عن حقه ولم تنحسر هذه الحماية عند حد التعاملات المدنية بل استطالت المسائلة الجنائية كذلك حتى توفر الحماية لحسن النية، كما أن هنالك مبدأ قانوني عام وهو عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون فلا يرتكب شخص مخالفة قانونية ويدعي جهله بالقانون الذي خالفه، وذلك بعد نشر القانون فـيُفترض علم الكافة به بعد نشره ، والجهل بالقانون قد يشمله وصف المغفل وقد لا يشمله بحسب طبيعة الحالة والواقعة.

في القانون المدني؛ أي المعاملات المدنية بيع وشراء وإيجار وإستئجار وهبة وغيرها من المعاملات ، وضع القانون قواعداً تمثل الحماية للفرد في حال ما أُستغفل من قبل الغير، فقد إشترط القانون أن لا يشوب العقد عيباً من عيوب الإرادة من غلط وغبن واستغلال وتدليس وإكراه، بمعنى أن لا يكون الشخص قد وقع في غلط او أستغل في ما يبرمه من عقد، وتجدر الإشارة أن العقد لا يشترط أن يكون عقداً مكتوباً “ملاحظة” فليس كل قارئ هو قانوني ودارس القانون، فأي تعامل من تعاملاتنا اليومية من شراء لحاجياتنا يعد عقد بيع بين طرفية مرتباً لآثاره ومن دون الحاجة لكتابته بإعتباره عقداً من عقود المعاوضة الرضائية التي لم يشترط القانون كتابتها وبذلك يكون القانون المدني قرر الحماية للفرد الذي يقع بمثل هذه المواقف وقد يصل الإجراء عند إثبات الشخص أن إرادته قد شابها عيباً أن يبطل العقد وكذلك المطالبة بالتعويض بحسب الأوضاع القانونية ، والمعنى الواسع لمغفل يشمل ذلك.

وكذلك قانون الجزاء لم يغفل عن إيجاد مثل تلك الحماية التي وفرها القانون المدني للأفراد، وذلك في جوانب مختلفه من القانون، فالشخص المجرم الذي يستغل الصغير أو حسن النية لإرتكاب جُرم معين يعد هو الفاعل الأصلي في الجريمة ولا يتساوى موقفه مع الصغير أو حسن النية في العقاب، وكذلك وجود نص يجرم الإحتيال والنصب بحد ذاته حماية لمن يستغفله المجرم النصاب أو المحتال، فإذا ثبتت جريمة النصب او الإحتيال فإن مرتكبها يعاقب و المجني عليه يقتص ويُحفظ له حقه بعد أن إحتال عليه المجرم واستغفله.
على ما تقدم يتضح جلياً أن إطلاق هذه المقولة بالمفهوم الواسع المطلق أمراًً مخالف للحقيقة، وذلك لأن القانون يوفر الحماية للمغفل الذي إحتال عليه شخص ما أو دلس عليه او أوقعه في خطأ، ولكنه لا يحمي المُفرط الذي يتنازل عن حقه بنفسه فبذلك يُفقد نفسه الحماية القانونية.
بقلم: فهد أنور عبدالله الحداد

‏@fahed_alhaddad

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock