ا. د. عبداللطيف بن نخي يكتب : الرشيدان والقمندة
ا. د. عبداللطيف بن نخي
قبل أسابيع معدودة، احتضنت ديوانية الأكاديميين والكتاب في الرميثية، ندوة حول حرية تداول المعلومات ألقاها رئيس الجمعية الكويتية لحرية تداول المعلومات – تحت الإشهار – تيسير الرشيدان، الذي أوضح أن مفهوم حرية تداول المعلومات، هو حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات التي تمتلكها السلطات العامة، مع مراعاة حق الدولة في حجب ما يقتضيه الصالح العام.
المجتمعات المتقدمة تصون حرية الحصول على المعلومات لقناعتها بأهميتها في تعزيز الديموقراطية على مستويين: تشجيع المواطنين على المساهمة في صنع القرار وتكريس شرعية القوانين، وتمكين الأفراد من المشاركة في جهود مكافحة الفساد وتقليل الأخطاء. فعلى سبيل المثال، قانون حرية المعلومات البريطاني شرع حق الوصول إلى المعلومات المتعلقة في الهيئات التي تمارس المهام العامة وهي ضمن ثلاث فئات: المؤسسات العامة ومن ضمنها الجهات الحكومية والبرلمان، وشركات القطاع العام، والهيئات غير الحكومية المكلفة تنفيذ الخدمات العامة عبر مسار الخصخصة، مثلاً.
نحن في الكويت بحاجة إلى قفزة نوعية في مجال حرية تداول المعلومات، لأن الهوة شاسعة بين المستوى المحلي لتدفق المعلومات وبين المستويات العالمية في البعدين التنفيذي والثقافي. لكن لابد من الاشارة إلى الانجازات الطوعية الفردية منها والمؤسساتية. فعلى مستوى الافراد أحيي اعضاء الجمعية الكويتية لحرية تداول المعلومات على جهودهم نحو اشهار جمعيتهم والعمل من خلالها. وأما بالنسبة إلى المؤسسات، أثمن طموح عدد منها وتحديدا مجلس الامة وديوان المحاسبة بسبب ارتباطهما بموضوع المقال.
تصميم موقع مجلس الامة على الانترنت، يمتاز بهيكله الحاضن لفئات متنوعة من المعلومات المرتبطة بأنشطة المجلس ولجانه، ولكنه غير مكتمل حيث يتكرر ظهور «لا يوجد حتى حينه» في عدد من الخيارات المتاحة. أضف إلى ذلك، أن بيانات الفئات المتاحة لا تحدّث بصورة منتظمة ما يفقدها قيمتها. فعلى سبيل المثال، حتى تاريخ هذا المقال، أحدث مضبطة جلسة متوافرة في الموقع يرجع تاريخها إلى 27 ابريل 2016. والإشكالية الأهم، أن المضابط المتاحة بصيغة الكترونية لا تسمح بالبحث الالكتروني في مضمونها.
وأما الموقع الإلكتروني لديوان المحاسبة، فتتوافر فيه التقارير السنوية للعام 2014/ 2015، وهي أيضا بصيغة الكترونية لا تسمح بالبحث الإلكتروني ولكنها مزودة بفهارس مفصلة تسهل الوصول إلى المعلومة المطلوبة. فعلى سبيل المثال، يمكنك الاطلاع على نتائج الفحص والمراجعة على تنفيذ ميزانية جامعة الكويت وحسابها الختامي ضمن تقرير يشمل كل الجهات الحكومية الملحقة ومن بينها «التطبيقي».
بعد قراءة الملاحظات على ميزانيتي الجامعة والتطبيقي، تساءلت لماذا هذا التباين في موقف لجنة الميزانيات البرلمانية من المؤسستين الأكاديميتين، وهل هناك «قمندة»؟ فمن بين الملاحظات الواردة على الحساب الختامي لجامعة الكويت: استمرار عدم تسوية أرصدة مدورة بحساب عهد – مبالغ تحت التحصيل يعود بعضها للسنة المالية 1995 /1996، وأيضا استمرار عدم تسوية دفعات نقدية داخلية يعود بعضها للسنة المالية نفسها، واستمرار تضخم رصيد حساب الديون المستحقة للحكومة وتدوير بعض الأرصدة من سنوات مالية سابقة من دون تسويها بالمخالفة لقواعد تنفيذ الميزانيات، وتضخم بند الطوابع الالكترونية من دون ذكر الاسباب.
وفي ما يرتبط بملاحظات الديوان على حسابات وسجلات الجامعة، تجد الكثير من النقاط الجوهرية، منها عدم الرد على مكاتبات الديوان، والعديد من الملاحظات على مشاريع وعقود الجامعة. ولكنني سأكتفي بتسليط الضوء على بعض الملاحظات التي شابت مدينة صباح السالم الجامعية في الشدادية، وهي: زيادة التأخير في تنفيذ أعمال بعض المشاريع الخاصة بالمدينة بالمقارنة مع السنة المالية السابقة ما أدى إلى «تدني» نسبة الانجاز الفعلية لها بالمقارنة بنسبة الانجاز المقدرة لها؛ استمرار عدم فرض وتحصيل الجامعة للغرامات المستحقة على بعض مقاولي تنفيذ المشاريع وذلك عن «تأخرهم الشديد» في تنفيذ اعمال العقد؛ تعدد اصدار الأوامر التغييرية على العقود والاتفاقيات، وتحميل عقود مشروع المدينة الجامعية أعباء اضافية تتمثل في السيارات والسكرتارية والمراسلين بالمخالفة لقواعد تنفيذ الميزانيات.
في معرض رده على ما قاله النائب محمد طنا من أن هناك «قمندة» وراء طلب التحقيق في الساعات الزائدة في التطبيقي، استشهد النائب سيد عدنان بكلام زميله الدكتور عبدالله الطريجي، بأن اللجنة تعرضت لاتهامات، ولكنه لم ينف «صراحة» وجود «قمندة» بل اكتفى بالنفي الضمني، ما دفعني للتدقيق في كلماته هو تعارضها مع ما جاء في تصريحه الذي نشر بتاريخ 3 ابريل 2016 حيث جاء فيه أنه لم يتبقَ من الملاحظات التي سجلها ديوان المحاسبة على التطبيقي إلا 8 ملاحظات. كما أن سيد عدنان عوضاً عن بيان أهمية تشكيل لجنة التحقيق، لجأ إلى مهاجمة النائب طنا قائلا له «دير بالك، ترى أنت اقرب واحد للاتهام. ولا أحد يرمي الناس بحجر وبيته من زجاج».
أتساءل لماذا لا يتصدى النواب لفساد من يرونه فاسداً، أم ان الملاحظات الـ 8 المتبقية على التطبيقي أخطر من فساد السلطة التشريعية؟، ولماذا ما زال البعض يتقاعس عن مواجهة السرقات الكبرى ويشغلوننا بقضية الساعات الاضافية؟ فهل هناك «قمندة» كشفت وجودها حرية تداول المعلومات؟