كتاب أكاديميا

تطوير مشوّه للبرامج التطبيقية كتب : ا. د. عبداللطيف بن نخي 

  

ا. د. عبداللطيف بن نخي 
رغم أهمية وحساسية أزمة الاضراب في القطاع النفطي، إلا أنني آثرت أن اتعرض في هذا المقال لقضية تطوير البرامج في التعليم التطبيقي، نظرا لأهميتها المركبة. فهي قضية تمس كفاءة وسلوكيات وقيم القوى العاملة المستقبلية، ومن بينها من سيلتحق بالقطاع النفطي، فضلا عن كونها مشكلة تتفاقم بخفاء وتتطلب تسليط الضوء عليها قبل فوات الأوان. ولا شك بأن جزءا من أزمة الاضراب مرتبط بغياب مهارات الحوار والتوافق، وهي من المهارات التي يفترض أن يتدرب عليها الطالب في مدرسته وكليته.
تسعى الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الى مواكبة متطلبات سوق العمل الكمية والنوعية، وفق أسس علمية. ومن أجل ذلك، حرصت على تبني منهجيات ناجعة في استطلاع حاجات سوق العمل وناجحة في قياس مدى رضاه من خريجيها. بل أن هذه الآليات والمفاهيم هي بذاتها كانت محور تحديث وفق المستجدات الاكاديمية الدولية. فعلى سبيل المثال، استجابت الهيئة لتطور مفهوم كفاءة الخريجين، فأصبحت اليوم تقيس كفاءتهم في تنفيذ مهامهم بعد توظيفهم بثلاث سنوات تقريبا عوضا عن قياسها فور التحاقهم بجهات العمل.
يعتبر إنشاء مركز تطوير البرامج والمناهج في 1998 من المعالم الرئيسة في مسيرة منظومة تطوير البرامج التطبيقية، حيث دعم مدير عام الهيئة آنذاك – الدكتور حمود المضف – إنشاء هذا المركز الحيوي وإعداد دستوره الأكاديمي ولوائحه التنفيذية المناظرة لتلك العالمية، فضلا عن تأهيل كوادره من المنتسبين والمنتدبين في أرقى المؤسسات الغربية وتحديدا الكندية. هذا المركز احتضن استحداث وتطوير ما يفوق الـ 60 برنامجا لمصلحة كليات ومعاهد الهيئة. ولا شك بأن الدور الاهم في تلك الانجازات هو إدارة المركز بمهنية وحيادية لتبادل المعلومات بين سوق العمل وبين كليات ومعاهد الهيئة.
الجميل في تجربتنا – كأقسام علمية – مع المركز، هو حرصه على توضيح المراحل والإجراءات اللازم اتباعها لتطوير واستحداث البرامج قبل البدء بالخطوات الفعلية، مما يسّر الحصول على موافقة مجالس إدارة الاقسام العلمية على خطط تطوير برامجها قبل البدء بتنفيذها. وتجدر الاشارة إلى أن لائحة نظام وإجراءات العمل في الاقسام العلمية في كليات الهيئة تفرض اعداد خطة تطوير البرنامج واعتمادها من قبل مجالس الاقسام العلمية قبل البدء بتنفيذها.
الاشكالية الرئيسة في تجارب تطوير البرامج الدراسية وفق منهجية المركز، تكمن في اكتفائها بالتدقيق الداخلي دون الخارجي، لذلك قررت الهيئة معالجة هذا النقص من خلال الحصول على الاعتماد الاكاديمي – من جهات مرموقة – لكل برامجها الدراسية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تم تشكيل العديد من اللجان والوحدات الادارية المعنية بالاعتماد الاكاديمي. فعلى مستوى ديوان الهيئة، هناك مكتب ضبط الجودة والاعتماد الاكاديمي، إلى جانب لجنة دعم ومساندة الاعتماد الاكاديمي والمؤسسي في الكليات التطبيقية. وأما في الكليات التطبيقية فتجد لجانا للاعتماد الاكاديمي على مستوى الاقسام والكليات، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعاهد الفنية.
الهيئة فعلا نجحت في الحصول على الاعتماد الاكاديمي لعدد من برامجها في قطاعي التعليم التطبيقي والتدريب، وهي تعمل حاليا من أجل اعتماد المتبقي من برامجها. ولكن هذا التوجه نحو الاعتماد الاكاديمي جاء على حساب دور مركز تطوير البرامج والمناهج، فعلى سبيل المثال، أصبحت الاقسام العلمية تجتمع مع سوق العمل مباشرة لمعرفة احتياجاته وقياس مدى رضاه من مخرجات برامجها. لست هنا بصدد التشكيك بإمكاناتي وبزملائي ولا في نزاهتنا، ولكن لقاءاتنا مع سوق العمل ينبغي أن تكون في ورش عمل يديرها فريق محايد (facilitators) وليس في اجتماعات يديرها أحدنا نحن الاكاديميين.
مع تزايد الاطراف المعنية بجودة البرامج في التطبيقي، تضاعفت الحاجة في الهيئة إلى لائحة تعنى بتطوير البرامج الدراسية. لائحة تنظم الادوار والعلاقات بين تلك الاطراف وتضمن التناغم في ما بينها وفق شبكة مهام وصلاحيات واضحة. كما يجب أن ترسم اللائحة العلاقة مع جهات – من خارج الهيئة – معنية بجودة التعليم التطبيقي، كالمؤسسات الخارجية المانحة للاعتماد الاكاديمي والجهاز الوطني للاعتماد الاكاديمي وضمان جودة التعليم.
نحن بحاجة لمنظومة تطوير مناهج تضمن أن كل مشاريع تطوير البرامج تقر خططها من قبل مجالس الاقسام العلمية قبل البدء بتنفيذها، من أجل التحقق من وجود الحاجة وتوفر المقومات الاساسية للتطوير، حيث إن مشاريع التطوير يجب أن تكون مبنية على توصيات ورش العمل مع سوق العمل إضافة إلى نتائج التدقيق – إن وجدت – في الاقسام العلمية على جودة برامجها.
ومن جانب آخر، يجب أن تراعي خطة التطوير مستوى مدخلات تلك البرامج، فلا يصح تطوّر برامج الهيئة عبر مطابقتها ببرامج جامعات تطبيقية مناظرة في دول أخرى كالولايات المتحدة الاميركية لأسباب عدة، في مقدمها التباين الشاسع في مستوى الطلبة المستجدين. أقولها بصراحة، إذا لم تتوافر البيئة المناسبة لتطوير البرامج فإن مشاريع التطوير ستكون أقرب إلى التغيير من التطوير، وقد تؤدي إلى تشويه البرامج عوضا عن تحسينها… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock