كتاب أكاديميا

الإشاعة الإلكترونية … والتجربة الكندية!!

 

  
لقد صاحب الإنتشار الهائل و “المخيف” أيضا للمعلومات المتاحة على مواقع الويب والمتداولة عبر شبكات التواصل الإجتماعي بإختلاف أشكالها  بصورة يصعب تخيلها، مجموعة عظيمة من الهواجس، التي وجب الوقوف عندها تقديرا لما يمكن ان تمثله تداعياتها من مخاوف تصل لحد القلق على مستقبلنا جميعا، خاصة مستقبل اولادنا الصغار و طلابنا الناشئين كوننا أباء ومعلمين. من هذه الهواجس العظيمة، ظاهرة، ان لم تكن واقعة بالفعل، الإشاعات “المغرضة” بكل تأكيد، إذ أنه لا توجد إشاعة بدون غرض!! لقد ساعدت بيئة الويب ووسائل التواصل الاجتماعي في نمو هذه الظاهرة نموا ملحوظا و في تناقلها نقلا يصعب تتبعه أو حتى الوقوف عنده، إذ اننا لا نكاد نفيق من إشاعة، حتى نُصاب بأخرى، وهكذا نمضي في فلك الإشاعات التي قد يعيينا التفكير فيها و في تداعياتها!
نلاحظ في الوقت الحالي تطاير الكثير من هذه الإشاعات الإلكترونية بسرعة اكبر من سرعة الضوء بمساعدة وسائل التواصل الإجتماعي الشهيرة، و لا سيما تويتر و الواتساب، او حتى أي وسيلة تواصل الكتروني أخرى، وللأسف الشديد، تتسبب بعض هذه المعلومات الخاطئة، أو بالأحرى هذه الشائعات،  في حالات خراب البيوت وفرقة الأهل والأصدقاء و تصل حتى  في لحالات الوفاة لا قدر الله، نظرا للمحتوى الكاذب والمغرض لهذه الشائعات! فعلى سبيل المثال، عندما يتناقل بعض الأفراد أحدى المعلومات الخاصة مثلا بأحدى أنواع الحبوب المساعدة، كما يدعي ناقليها، في زيادة القوة الجسمانية أو في إنقاص الوزن أو في التحفيز الفكري!! نجد بعض منا، خاصة المهرولون وراء هذه الحبوب، يتسابق لتعاطيها دون حتى التفكير فيها ولا في مركباتها ولا حتى في استشارة الطبيب أو الصيدلي، مما قد تسبب في إعياء أو شلل أو حتى وفاة سريعة نتيجة لتعاطي سريع قائم بالطبع على انتشار سريع لمعلومات غير صحيحة!! لو عدنا الى السبب الرئيس في هذا الأعياء أو هذا الشلل أو الوفاة، لسوف نجد أن السبب هو نشر الإشاعة الالكترونية والتي تؤكدها قلة وعي من أقبل على تصديقها ذلك التصديق الأعمي دون أي تريث أو تأكد ما إذا كانت صادقة أم كاذبةّ!!
 
السؤال هنا… ما هو الحل للحد أو التقليل من مثل هذه الإشاعات الالكترونية وتأثيرها  علينا و على الاجيال القادمة؟!! التجربة الكندية خير مثال للاجابة على هذا السؤال، إذ قامت الحكومة الكندية في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، تحديدا في العام 1999، بإدخال مادة “المعلوماتية” بدءا من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية بطريقة مدروسة و برؤية واستراتيجية واضحتين. تلك المادة التي يتعلم فيها الطالب كيفية الحصول على المعلومة الصحيحة والموثوقة وكيفية الإستعانة بها للوصول إلى القرار المناسب أو الاستفادة منها في عمل بحث ما لحل مشكلة ما بطريقة علمية منهجية معتمدا في ذلك على ما هو موثوق من المصادر. بعد تخريج اول جيل من الطلبة الذين اكتسبوا المهارات المعلوماتية الصحيحة خلال المراحل الدراسية المختلفة، قام المختصون بوضع مجموعه منهم تحت الملاحظة ومراقبة ردة فعلهم عندما يستقبلون معلومة الكترونية خاطئة وكانت النتائج رائعة ومذهلة، حيث انهم كانوا دائما ما يحاولون التأكد من صحة المعلومة وبعدها يقومون بنشرها او الاستفادة منها.  أن القصد وراء ذكر هذه التجربة التأكيد على المعلومات “الصحيحة” دون غيرها من المعلومات الضالة و الكاذبة وتقليل حدة الاشاعة الالكترونية وأثرها على المجتمع!!
 
وأخيرا…
 اتمنى من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ببلادنا الحبيبة أن يستفيدوا من هذه التجربة بالحذو حذوهم من خلال ادراج مادة “المعلومات والبحث العلمي” في مناهج المراحل المختلفة؛ من المرحلة الابتدائية الى الثانوية، حتى نغرس هذا الحس الأدبي والأخلاقي في أبنائنا منذ ترعرعهم حتى تخرجهم، لننتج جيلا أكثر وعيا قادرا على كشف الغث من الثمين وقادرا كذلك على تجنب تلك المعلومات الضارة والمسمومة و ما تساهم به الإشاعات المغرضة، بمساعدة التكنولوجيا، في النيل منا و من مجتمعاتنا!!
د. حسين فولاذ

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock