كتاب أكاديميا

أ. د. عبداللطيف بن نخي: وحدة «مونتريالية» لإصلاح التعليم!

 

image
أ. د. عبداللطيف بن نخي

 

من أهم الاتفاقيات الدولية التي تتابعها الهيئة العامة للبيئة اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون التي اتفق عليها في عام 1985 ودخلت حيز النفاذ في عام 1988. وهي اتفاقية إطارية تمخض عنها برتوكول مونتريال الخاص بتنظيم عملية التخلص التدريجي من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون. ويعتبر هذا البروتوكول، الذي بدأ التوقيع عليه في عام 1997 ودخل حيز التنفيذ في 1999، أحد أنجح بنود الاتفاقية الدولية كما وصفه كوفي عنان – في عام 2003 حين كان أمينا عاما للأمم المتحدة – بسبب الالتزام الدولي بجميع الجداول الزمنية الخاصة بالبروتوكول حتى تاريخه. بل إن الأعضاء اتفقوا في عام 2007 على تسريع الجدول الزمني الخاص بالتخلص التدريجي ‏من مركبات الكربون الهيدروكلورية فلورية HCFC الشائعة في أجهزة تكييف المنازل. وجميع دول الأطراف لا تزال ملتزمة بالجدول المعجل، فضلا عن أن خطة العمل المعتمدة للكويت من المفترض أن تكفل التزامنا لغاية عام 2018.

برتوكول مونتريال نجح، ولا يزال، لأن المجتمع الدولي أيقن بأن ثقب الأوزون خطر يهدد كوكبنا، وأن تعافي الطبقة مصلحة مشتركة بين جميع أفراد القرية الكونية، وأن ترميم الثقب مسؤولية جماعية، ولكن بدرجات متفاوتة تتناسب مع إمكانيات كل طرف ومسؤوليته التاريخية عن الظاهرة. فتجد الدول الصناعية الغنية تمول صندوق البروتوكول الذي بدوره يساعد بعض الدول النامية – كالكويت – على الامتثال للبروتوكول.

من منظور آخر، برتوكول مونتريال حافظ على تميزه لأن تنفيذه تم وفق مجموعة شاملة من قواعد الإجراءات والممارسات السليمة في مختلف المجالات المرتبطة بتطبيقه كالإدارية والفنية. وهناك من يرى بأن الدول الأطراف التزمت بجداول البروتوكول الزمنية، لأنه اقترن بتشكيلة واسعة من دورات لتدريب وتأهيل المعنيين بتطبيقه. كما أنه امتاز بارتباطه بفلسفة الإدارة بالنتائج، حيث صممت خططه التنفيذية وفق أهداف مرحلية، خصص لكل منها برنامج متكامل بتسلسل زمني واضح وقابل للتنفيذ والقياس والتدقيق. لذلك يعتبر بروتوكول مونتريال نموذجاً حياً لإدارة وتنفيذ مشاريع ناجحة عبر تبني مفهومي الشراكة التكاملية والإدارة بالنتائج.

وحدة الأوزون الوطنية بالهيئة العامة للبيئة هي الوحدة الإدارية المعنية بتنفيذ بروتوكول مونتريال في الكويت. على الرغم من صغر حجمها الإداري وقلة عدد موظفيها إلا أنها اشتهرت بكفاءتها وإنجازاتها. أجزم بأن السبب وراء تميزها هو اتباعها لمفهومي نجاح بروتوكول مونتريال: الشراكة التكاملية والإدارة بالنتائج. فالوحدة في شراكة مع جميع الجهات الحكومية المعنية بتطبيق البروتوكول، عبر ممثليها في اللجنة الوطنية لحماية طبقة الأوزون. كما أنها تعد خططها التنفيذية وتنجزها من خلال فرق تكاملية تتضمن أعضاء من داخل وخارج الهيئة. ثم تستضيف الوحدة لجان تدقيق مستقلة من داخل وخارج الكويت لقياس مقدار وكفاءة تنفيذها لمشاريعها وبرامجها. لذلك استحقت الوحدة تكريما من وكالة حماية البيئة الأميركية في عام 2008 على تميزها في تنفيذ البروتوكول.

من أجمل صور التكامل بين وحدة الأوزون الوطنية ووزارة الكهرباء والماء ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، هي البحث العلمي الجاري تنفيذه من قبل المعهد لمصلحة الوزارة بناء على توصية من الوحدة بهدف تقييم آثار استخدام وسائط التبريد البديلة على منظومة الكهرباء الوطنية.

لست بصدد تقييم الهيئة العامة للبيئة، ولكنني أرى بأنها إداريا مقاربة لمؤسسات التعليم العام والعالي. وحيث إن وحدة الأوزون الوطنية نجحت بل تميزت في تحقيق أهدافها الطموحة في بيئة إدارية شبيهة بتلك المتاحة في مؤسسات التعليم، لذلك أتساءل لماذا لا نحاول أن نحاكي تلك التجربة لدينا في التعليم العالي؟، ولماذا لا ندير الجامعات والكليات والمعاهد بالشراكة التكاملية مع عملائنا من داخل المجتمع التعليمي ومن خارجه، كالسوق التي نسعى لتلبية احتياجاتها من الكوادر البشرية؟، ولماذا لا نتبنى الإدارة بالنتائج القابلة للتنفيذ والتدقيق، فيقاس مقدار وكفاءة انجازاتنا عبر جهات مستقلة من سوق العمل أو من مؤسسات محلية أو اقليمية مناظرة؟، ولماذا لا نتبع منهجية الوحدة المونتريالية (وحدة الأوزون الوطنية) في إصلاح تعليمنا؟

بقلم/ أ. د. عبداللطيف بن نخي
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock