فرق القارئ | بقلم: أ.مشعل الدويهيس
قـٌصاصات
القراءة عملية معقدة تتداخل فيها عناصر عديدة، وليست مجرد نشاط ذهني عابر، يقوم فيها الفرد بفك الرموز المكتوبة والقدرة على إدراك المعاني العميقة مع ربطها بالخبرات السابقة، ولأن الافراد مختلفين كلٍ على خلفيته الثقافية والتجارب والمستويات العقلية، فإن النص المكتوب نفسه قد يفّسر التفسيرات متباينة ويفهم حسب الشخص نفسه، لا يعد هذا التباين نقص بالضرورة، وإنما انعكاس طبيعي لاختلاف الإمكانات الذهنية والمعرفية.
عندما يقوم شخصان بقراءة نصاً واحداً، فإن الأول قد يفهم المعنى المباشر للجملة، بينما الآخر تجاوز ذلك وقام بالبحث عن الرسائل الضمنية، من يملك حصيلة لغوية واسعة وخلفية معرفية سيكون الأكثر قدرة على استحضار الروابط الجديدة للنصوص والسياقات المختلفة، اما الأضعف لغوياً أو الأقل خبرة، قد يجد صعوبة في تجاوز المعنى السطحي للنصوص، مما يجعله محدود الفهم، وهنا تظهر دور القدرات العقلية من جهة، والتجارب الثقافية والحياتية من جهة أخرى في تشكيل عملية الإدراك.
تلعب النصوص ذاتها دوراً كبيراً في التفاوت ايضاً، النصوص المعقدة، مثل المقالات الأدبية الرمزية، تتطلب مهارات تفسيرية وتأويلية متقدمة والقدرة على ربط الأفكار التي تحتويها، بينما النصوص البسيطة مثل المقالات الإخبارية أو التوجيهية، تكون في متناول العدد الأكبر من القراءة، مع الفرق في مستوى الاستيعاب، بعض القرّاء يكتفون بفهم ما هو واضح لهم، بينما الآخرون يبحثون عن قراءات أعمق للنص ذاته.
القراءة عند جميع الأفراد ليست عملية متماثلة أو محايدة، وإنما تجربة شخصية تؤثر عليها عوامل كثيرة، كالقدرة اللغوية، والمستوى التعليمية والثقافة العامة، وكذلك القدرات العقلية، وحتى المزاج النفسي اثناء القراءة، جميع هذه العوامل تشكل المعاني من خلال عيون القراء المختلفة، وهذه يفسر سر النقاشات المتباينة حول الأفكار والكتب، لأن كل قارئ يخرج من النص بشي لا يراه الآخر.
في نهاية الأمر يمكننا القون بأن تفاوت الفهم من شخص لآخر هو ما يعطي القراءة قيمتها الحقيقية، فإذا كان الناس جميعاً يفهمون النصوص بالطريقة ذاتها، لأصبحت مجرد عملية جامدة لا تحمل التنوع الفكري أو الإبداعي، ولكن اختلاف الادراك والتفسير يفتح مجال أمام الكثير من الأمور منها تبادل الآراء والتأمل، وهو الذي يثري معرفتنا الإنسانية ويجعل القراءة جسر مستمر للتعلم والنمو.
Insta: @Duwaihees
Email: [email protected]
