اختبار القدرات… نحو استعادته كأداة تطوير في التعليم #التطبيقي ..بقلم: د.خالد الزومان

اختبار القدرات… نحو استعادته كأداة تطوير في التعليم التطبيقي
في ظل السعي الحثيث من قبل إدارة الهيئة نحو تطوير منظومة التعليم التطبيقي والتدريب في الكويت، تبرز مسألة اختبار القدرات بوصفها أداة تعليمية كان لها دور فاعل في توجيه الطلبة نحو التخصصات التي تتناسب مع قدراتهم، لا سيما في التخصصات التي تعتمد على الكفاءة المهارية والإبداعية مثل تخصص التربية الفنية والتربية البدنية والتصميم الداخلي.
ومنذ أن تم إيقاف العمل بهذه الاختبارات منذ عام 2019 حتى يومنا هذا، ظهرت مؤشرات ميدانية تستحق التوقف عندها، إذ أشار عدد من أعضاء هيئة التدريس إلى تزايد حالات التعثر الأكاديمي بين الطلبة الجدد، وافتقار بعضهم للمهارات الأساسية اللازمة للتخصصات الفنية، الأمر الذي يجب الوقوف عنده وإعادة النظر في هذا القرار للحفاظ على جودة التعليم التي بدورها تنعكس على جودة المخرجات
الثانوية العامة وحدها لا تكفي
رغم أهمية المعدل العام في شهادة الثانوية، كمؤشر لكفاءة الطالب دراسياً، إلا أن اعتماده كمعيار وحيد للقبول في بعض التخصصات العملية قد يُخفي جوانب حاسمة من شخصية الطالب وقدراته غير الأكاديمية.
فالتربية الفنية، والتصميم الداخلي، والتربية البدنية هي تخصصات نوعية تتجاوز المعرفة النظرية إلى مجالات تتطلب حضوراً حسياً وفنياً وبدنياً وابتكارياً، لا يُمكن قياسه من خلال نتائج اختبارات عامة كالرياضيات أو اللغة أو العلوم الأخرى .
فمثلا:
• في التربية الفنية، لا يكفي أن يعرف الطالب قواعد الرياضيات وكيفية حلها أو قواعد اللغة العربية وكيفية التعبير عن موقف معين، بل يجب أن يمتلك قدرة على التخيل وقدرة في التوافق الحسي الحركي ، وكذلك القدرة على تركيب الصور واختزالها ، واختيار التكوين المناسب، بمعنى آخر أن يكون لديه الحد الأدنى من الذكاء البصري، وهي عناصر لا تقيسها الاختبارات العامة. بل تحتاج إلى اختبارات تخصصية تقيس قدرة الطالب على طرح الأفكار البصرية وتقيس مدى توافر الحس الإبداعي والذكاء البصري لدى المتقدم.
• في التصميم الداخلي، يُتوقع من الطالب أن يمتلك قدرات على قراءة المنظور الهندسي وتفكيرًا ابداعيا في طرح الحلول الذكية في توزيع المساحات ، وحسًا جماليًا مرتبطًا بالذوق العام، وميولاً لحل المشكلات البصرية.
• أما في التربية البدنية، فالمهارات الحركية، واللياقة البدنية، والمرونة، كلها لا تظهر في كشف الدرجات، بل تتطلب أداءً فعليًا يُقيم بصورة مباشرة.
ومن منظور تربوي، فإن هذه التخصصات تدخل ضمن ما يُعرف بـ الذكاءات المتعددة، والتي تشير إلى أن الذكاء لا يُقاس بالتحصيل فقط، بل يشمل قدرات فنية وبصرية وحركية، وكلها تغيب عن اختبارات الثانوية العامة التقليدية.
إن اقتصار القبول على معدل الثانوية يُعرّض الطالب للالتحاق بتخصص قد لا يعكس ميوله ولا يستثمر طاقاته، مما يؤدي لاحقًا إلى تعثر دراسي أو انسحاب، ويُثقل كاهل عضو هيئة التدريس بمحاولات تعويض المهارات الأساسية المفقودة عند الطالب.
استعادة اختبار القدرات: خطوة تطوير لا تراجع
في ضوء هذه التحديات، وفي ظل توجه الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب إلى تحسين مخرجاتها التي تتطلب ضرورة النظر بحسن المدخلات تبرز الحاجة إلى استعادة اختبار القدرات كخطوة تطويرية، تُسهم في تحسين العملية التعليمية، وتمنح كل طالب فرصة عادلة في التوجيه نحو التخصص الذي يتناسب مع قدراته الفعلية.
الاختبار ليس وسيلة إقصاء، بل أداة قياس تُحسن دقة الاختيار الأكاديمي، وتقلل من نسب التعثر، وتُعزز من جودة المخرجات، وتخفف الضغط على الكادر الأكاديمي.
توصياتنا
• استعادة العمل باختبار القدرات لضمان جودة المدخلات.
• توفير برامج استعدادية للطلبة الراغبين بالتقديم.
• القبول المباشر للموهوبين.
• تبني نظام تقييمي تكاملي يشمل المعدل والمهارات والاستعداد الشخصي.
وتتسق دعوتنا هذه مع رؤية الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، التي تسعى إلى بناء كوادر وطنية متميزة علميًا وعمليًا، ومواكبة احتياجات سوق العمل. ولا شك أن استعادة أدوات القياس الدقيقة – وعلى رأسها اختبار القدرات – يندرج ضمن هذه الأهداف الاستراتيجية.
إن إعادة اختبار القدرات لا تعني العودة إلى الوراء، بل تمثل إصلاحاً منهجياً نحو بيئة أكاديمية أكثر توازنًا وعدالة، تضمن للطالب فرصته الحقيقية، وللتخصصات مكانتها، وللعملية التعليمية استقرارها وجودتها.
د. خالد الزومان