كتاب أكاديميا

أ. منى سعدون الحسيني تكتب: تعرف على الخلايا الجذعية 

 

بينما يقضي الإنسان العادي وقته في ممارسة حياته اليومية وحل مشكلاته الخاصة سواء المشكلات النفسية أم الاجتماعية أم مشكلات العمل وغيرها، يقضي العلماء أوقاتهم في المختبرات باحثين دون توقف ومكرِّسين حياتهم لخدمة البشرية جمعاء

لا حدود لعقول العلماء ولا خطوط حمراء لديهم، فقد تعتقد أنَّ تعرُّضك لحادث أودى بنخاعك الشوكي، أو ولادة طفل لك بقلب مشوَّه، أو إصابة أحد والديك بالفشل الكلوي وغيرها من الأمراض والإصابات نهايةَ حياتك، ولكنَّ العلماء لهم رأي آخر وأبحاث مختلفة وآمال لا تتوقف عند معضلة؛ إذ يعملون ليل نهار لإيجاد حل سحري يجعل العلاج ممكناً مهما كان بالظاهر مستحيلاً.

لقد أثبتت أبحاث الخلايا الجذعية أنَّ مع العلم لا شيء مستحيل وأنَّ آمال العلماء لم تأتِ من فراغ؛ هذه الخلايا التي بالتأكيد سمعت اسمها في مكان ما وتساءلت عن طريقة عملها وكيفية الاستفادة منها، وتساءلت أيضاً عن الأسباب التي جعلتها في قفص الاتهام والرفض من قِبل الكثير من الناس وخاصةً المتدينين، فكل تلك التساؤلات وكل ما تريد أن تعرفه عن الخلايا الجذعية تجده في المقال الآتي.

أولاً: ما هي الخلايا الجذعية؟ وكيف نستفيد منها؟

الخلايا الجذعية تسمى أيضاً “خلايا المنشأ” وهي الخلايا البدائية التي تتولد منها جميع الخلايا في الجسم، وتتسم الخلايا الجذعية بميزتين أساسيتين تجعلان منها خلايا فريدة في جسم الإنسان وهما:

1. القدرة على الانقسام المستمر.

2. القدرة على التمايز؛ أي ذات وظيفة متخصصة مثل خلايا الدم أو الدماغ أو غير ذلك.

إضافة إلى مجموعة من الخصائص التي تجعل أمر دراستها أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على حياة البشر، يرجع اسم خلايا المنشأ إلى قدرة هذه الخلايا على تجديد نفسها باستمرار والتحول إلى أي نوع من الخلايا في حال طُلب منها ذلك، ومن ثمَّ لا تصح التسمية السابقة إلا في حال قدرة الخلية على ذلك، وبذلك لا تصح هذه التسمية على أيَّة خلايا أخرى في الجسم.

يمكن القول إنَّ النتائج الأولى بهذا الخصوص كانت في عام 1981؛ إذ تمكَّن العلماء لأول مرة من الحصول على خلايا جذعية من جنين فأر وهو في مرحلة المضغة “التوتية”، وقد أظهرت الدراسات أنَّ الخلايا الجذعية التي يمكن الحصول عليها في هذه المرحلة يمكن زراعتها في المختبر بشكل مستمر بعد عزلها دون فقدان أي من صفاتها.

في عام 1998 تمكَّن العلماء من الحصول على الخلايا الجذعية مرة أخرى، لكن هذه المرة من جنين إنسان، واستطاعت هذه الخلايا التكاثر في أنبوب الاختبار محافظةً على صفاتها وقدرتها على التحول إلى خلايا أخرى تقوم بوظائف متعددة، وبهذا الاكتشاف أصبح من الممكن الحديث عن إمكانية تعويض الخلايا التي يفقدها الإنسان في مراحل مختلفة من حياته، ومن ثمَّ الحديث عن علاج الأمراض كأمراض القلب والأمراض التي تنتج عن فقدان بعض الخلايا من الدماغ.

لم تقف الأبحاث بهذا الشأن هنا، فقد اكتشف العلماء أيضاً أنَّ لكل عضو من أعضاء الإنسان خلايا جذعية خاصة به، وتعمل هذه الخلايا على تعويض النقص الذي يطرأ على أي عضو بسبب موت بعض الخلايا منه، وهذا ما يمكن الاستفادة منه في حال تعرض الجلد للحروق أو الجروح؛ إذ تعمل الخلايا الجذعية على ترميم الجلد المتضرر وتعويضه، وهذا ما جعل العلماء يتساءلون مرة أخرى عن اللغة التي تخاطب بها الأعضاء الخلايا الجذعية لإعلامها بالنقص، وهل يمكن الاستفادة من هذه اللغة في حال وجدت؟

النتيجة كانت مذهلة، فقد تمكَّن العلماء في عام 1999 من تحويل خلايا جذعية إلى خلايا أخرى لا تشابه النسيج الذي أتت منه، وكان هذا على يد طبيب سوري في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ استطاع هذا الطبيب من خلال اعتماده على الخلايا الجذعية تعويض فك لأحد المرضى، كما تمكَّن أحد العلماء أيضاً من إنتاج خلايا عصبية من خلايا الدماغ بعد تحريض خلايا المنشأ الموجودة في نقي العظم من خلال تغيير برمجة خلايا المنشأ في نقي العظام لتعطي الخلايا المطلوبة.

إنَّ أهمية الخلايا الجذعية تكمن في:

1. إعطاء العلماء فهماً أوضح عن كيفية تطور الأمراض وكيفية حدوثها من خلال مراقبة نمو الخلايا الجذعية.

2. محاولة استخدام الخلايا الجذعية وتوجيهها كما سبق وأشرنا إلى توليد خلايا جديدة تحل محل الخلايا التالفة بسبب مرض معين.

3. إتاحة الخلايا الجذعية للباحثين خيار تجريب الأدوية البحثية عليها للتأكد من سلامتها وفاعليتها قبل استخدامها.

ثانياً: ما هي أنواع الخلايا الجذعية؟

توجد أربعة أنواع للخلايا الجذعية، وسنتحدث فيما يأتي عن كل نوع منها:

1. خلايا بداءة الأصل كاملة القدرات (Totipotent Embryonic Stem Cells):

تتكون هذه الخلايا بعد مرور ساعات عدة على تلقيح البويضة وعددها لا يتجاوز العشرات، وكل واحدة من هذه الخلايا لها القدرة على إعطاء جنين كامل، وبذلك تكون ميزة هذه الخلايا هي قدرتها على إعطاء كائن حي متكامل، وهذا يعني أنَّه من بيضة ملقحة واحدة مكوَّنة من عشر خلايا يمكن الحصول على عشرة أجنة متطابقين تماماً من موادهما الوراثية، فإذا ما أُتيحت لهذه الخلايا الفرصة تمكَّنت من النمو، وتشبه هذه الحالة إلى حد بعيد ما يحدث عند ولادة التوائم الحقيقية.

2. خلايا بداءة الأصل متعددة القدرات (Pluripotent Stem Cells):

لا يستطيع هذا النوع من الخلايا الجذعية كالنوع السابق إعطاء جنين كامل، ولكنَّه قادر على إعطاء معظم الخلايا المكوِّنة للجنين باستثناء الغلاف الأمنيوسي والمشيمة، والجدير بالذكر وعلى خلاف النوع السابق الذي مُنع الحصول عليه، فقد صدرت الولايات المتحدة الأمريكية في التاسع من شهر آب/ أغسطس في عام 2001 قراراً يسمح بالحصول على هذه الخلايا واستخدامها، وطبعاً ضمن شروط محددة، وهذا ما أعاد الأمل إلى كثير من المرضى في الشفاء.

 

3. (Fetal Stem Cells):

يتم الحصول عليها من أنسجة الأجنة التي يتراوح عمرها بين أربعة وعشرة أسابيع، وطريقة الحصول عليها صعبة ولا يمكن ضمانها.

4. خلايا المنشأ النسيجي ( Adult Stem Cells):

توجد في أنسجة أي كائن حي بالغ، وتتكاثر باستمرار، وتتوقف عن التكاثر عندما يصل الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة، وتتركز الكثير من الجهود العلمية من أجل التحكم بهذه الخلايا ومنع موتها المبكر.

ثالثاً: ما هي أسباب الجدل القائم حول أخلاقيات استخدام الخلايا الجذعية الجنينية؟

لب المشكلة يكمن في أنَّ هذه الخلايا تُستخرج من الأجنة البشرية في مراحل نموها المبكرة، وهذا صراحة ما فتح أبواب الكثير من الاعتراضات حول العالم والعديد من التساؤلات عن أخلاقيات استخدام واستخلاص هذه الخلايا، وما زال الحوار حتى الآن محتدماً فيما يتعلق بالمسموح والممنوع عند إجراء مثل هذه التجارب.

في شهر أغسطس من عام 2010 حكم قاضٍ أمريكي بضرورة إنهاء هذه الأبحاث؛ وذلك لأنَّ فيها انتهاكاً صريحاً للقوانين بسبب تدميرها لأجنة بشرية، ولكنَّ المحكمة الاستئنافية استطاعت الطعن بالحكم وأخذت الإذن من جديد باستخدام أموال الضرائب لتمويل أبحاث الخلايا الجذعية على الأجنة البشرية.

لم يكن هذا الجدل في “أمريكا” فقط؛ بل أيضاً في “ألمانيا” احتدم النقاش في مدى أخلاقية تجارب الخلايا الجذعية، وفي عام 2008 طُرح الموضوع في البرلمان منتهياً بالتصريح الآتي: “لا يجوز تبرير النشاطات التي تقتل الجنين مهما كانت طبيعتها، فإنَّ ثمن الحياة البشرية غالٍ جداً”، ويبقى السؤال الأهم “من أين يتم الحصول على هذه الأجنة من أجل استخراج الخلايا الجذعية؟”.

في الحقيقة يتم الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية من بويضات مخصَّبة ضمن مخابر ولا تتم زراعتها أبداً في الرحم، وقد يخطر في بالنا أن نسأل لماذا لا يتم استخدام الخلايا الجذعية البالغة وإنهاء الجدل القائم المتعلق بأخلاقيات استخدام الخلايا الجذعية الجنينية؟

يرجع عدم استخدام الخلايا الجذعية البالغة للأسباب الآتية:

1. الخلايا الجذعية البالغة لا تتمتع بالخصائص الجنينية ذاتها.

2. الخلايا الجذعية البالغة محدودة الاستخدام في علاج الأمراض؛ إذ يتعذر استخدامها لإنتاج جميع أنواع الخلايا.

3. احتمال إصابة الخلايا الجذعية البالغة بعيوب بسبب المخاطر البيئية.

رابعاً: ما هو العلاج بالخلايا الجذعية؟ وهل جرى استخدامه على أرض الواقع؟

يُعرف العلاج بالخلايا الجذعية باسم الطب التجديدي، ويتم فيه استخدام الخلايا الجذعية لعلاج وإصلاح الأنسجة المريضة أو المصابة أو المختلة؛ إذ تتم زراعة الخلايا الجذعية في المختبرات ثم تُزرع هذه الخلايا في جسد المريض، فمثلاً إذا كان شخص مصاباً بمرض بالقلب يمكن زراعة هذه الخلايا في عضلة قلبه.

تُعَدُّ زراعة الخلايا حلاً بديلاً عن زراعة الأعضاء التي تواجه الكثير من الصعوبات في الحصول عليها، أما عن مدى استخدام الخلايا الجذعية في العلاجات على أرض الواقع سنذكر الأمثلة الآتية:

1. نشرت وكالات الأنباء العالمية في اليوم 23 من شهر أغسطس في عام 1999 خبر قيام مجموعة من العلماء في جامعة “ليدز” البريطانية بزرع مبيض لامرأة في سن اليأس حتى عاد المبيض بذلك إلى إنتاج البيوض، وهذا يعني إطالة فترة الإخصاب للنساء اللواتي تقدمن بالسن ولم ينجبن أو اللواتي يعانين من أمراض منعتهن من الإنجاب.

2. تمكَّن العلماء أيضاً من تعويض تلف النخاع الشوكي لمريض، وذلك من خلال القيام بسلسلة من العمليات انتهت بزرع الخلايا الجنينية في الجزء التالف من النخاع الشوكي.

3. علاج المرضى المصابين بالذئبة وهو مرض مناعي، فقد تمكَّنت مجموعة من الأطباء من جامعة “نورث وستون” من أخذ الخلايا الجذعية من نقي عظام مريض، وقد خضعت للعلاج بحيث أصبحت قادرة بعد إعادتها إلى جسم المريض على تشكيل خلايا دم بيضاء جديدة أعادت إلى المريض مناعته.

4. في “السويد” نجحت عملية زراعة قصبة هوائية لمريضة بمساعدة الخلايا الجذعية التي أُخذت من النخاع الشوكي ومجموعة خلايا أخرى من القصبة الهوائية.

5. في عام 2007 نجح العلماء أيضاً بتحريض صمام قلب بشري على النمو من جديد باستخدام الخلايا الجذعية.

في الختام:

لا وجود للمستحيل في عقول العلماء فهم يضعون كل جهودهم ويصبون كل طاقاتهم في سبيل العمل على تحسين طبيعة الحياة البشرية وحمايتها ووضع حدود للأمراض، وما أبحاث الخلايا الجذعية إلا واحدة من الأمثلة العملية عن قهر المستحيل، فمثل هذه الأبحاث تجعلنا نقف مذهولين أمام قدرات العلم الكبيرة وأمام نتائج أبحاثه، التي من الممكن أن تكون سبباً لإنهاء كوابيس الكثير من المرضى حول العالم.

 

منى سعدون الحسيني

                                                                                                          مدرب متخصص ج

معهد التمريض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock