الحضارة قرينة العلم والحرية..بقلم:د. سحمي عبدالله العجمي
الحضارة قرينة العلم والحرية
إذا اردت أن تحكم على مجتمع فانظر إلى مدى اهتمامه بالتعليم ، فالتعليم هو الركيزة الأساسية للارتقاء بالمجتمع الانساني ، لذلك اهتم الشارع الحكيم بهذه النقطة المفصلة في حياة الأمة ، فأول أية نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( اقرا باسم ربك الذي خلق ) سورة العلق فالملاحظ عند اقرائنا لهذه الآيات الكريمة تكرار كلمة اقرا وهى صيغة امر والأمر يفيد الوجوب والتكرار يفيد التأكيد وكذلك طعمت الآيات بكلمة العلم والقلم وهى رمز يفيد الرقي والتقدم ورفع الجهل عن الشعوب والمجتمعات ، وترجم ذلك الأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أسادي بدر من المشركين عندما وضع من الشروط تعليم ابناء الانصار والكتابة كما جاء في مسند الامام احمد عن ابن عباس ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد مجتمعاً واعياً متسلحاً بالعلم نابذاً للجهل والخرافات ولأن الله لا يعبد على جهل حيث قال جلا وعلا ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ” (سورة محمد 19) فقدم العلم قبل القول والعمل، فبداية الطريق نهوض الأمة هى التسلح بالعلم في جميع مجالاته النافعة التي تعود على البشرية بالخير والنماء الذي بدورة ان يجعل المجتمعات في ارتقاء وازدهار دائم فلو نظرنا الى التاريخ البشري لوحدنا ان جميع الحضارات التي بينت انما بينت بفضل علمائها ومثقفيها ومخترعيها حينما وجدوا البيئة الخصبة والعوامل الأساسية لتطورهم وإبداعاتهم وقد ذكر الفيلسوف ول ديورانت اربعة عناصر لقيام الحضارة:
1- الموارد الاقتصاد 2- النظم السياسية
3- التقاليد الخلقية 4- متابعة الفنون والعلوم
والناظر لهذه العناصر يجد فيها عنصراً مشتركاً في جميع هذه العناصر ألا وهو عنصر الحرية لأن الانسان من غير حرية لا يستطيع ان يبدع ونقصد بالحرية هنا الحرية المنضبطة التي تخدم المجتمع وأفراده وتضفي عليهم الخير والنماء ورقي بما يتوافق مع الشرع والفطرة ، الشرع الذي أتى محارباً لتخلف والشرك والجهل آنذاك بل وقد كانت الحضارة الاسلامية سابقة في مجال العلم بشتى أنواعه الدينية او الانسانية ففي مجال الطب قد برع المسلمون في هذا المجال مستوحين من كتب ما سبقهم من اليونان وغيرهم ثم عدلوها وضعوها واضافوا (عرفوا طب العيون ونبغوا فيه وكان في القرن الحادي عشر الميلادي يعرفون علاج الماء الذي ينصب في العين ( الكاتاركتا ) بالتحويل او الاستخراج البلوري وعرفوا الحميات ذات البتور كالجدرى والحصبة كما عرفوا الامراض النفسية ودرسوا التشريح بتقطع اجسام الفردة ، وهم أول من استخدم التخدير باستعمال نبات ( الزؤان ) أو ( الشليم ) حتى يفقد المريض الوعي ) والكثير من الإنجازات التي لا يفيها مقال وكان من اشهر اطباء المسلمين على بن عيسى الذي الف كتاب ( تذكرة الكحالين ) وكان يدرس في اوروبا حتى القرن الثامن عشر ومن العلماء ايضا ابو بكر محمد الرازي التي ظلت كتبه في الهيئات ذات البتور كالحصبة والجدرى من المراجع الاساسية التي اعتمد عليها اطباء غرب اوروبا زمناً طويلاً ومنهم ايضاً السابور بن سهل صاحب كتاب ( القربازين ) ( علم الأدوية ) الذي كان معمولاً به في البيمارستانات والصيدليات وهو مكون من اثنين وعشرين باباً ومن العلماء ايضا واشهرهم ابن سينا وله مؤلفات منها كتاب ( القانون ) الذي اعتبره الأوربيون خير ما انتجته القريحة العربية فهو قاموس في الطب والصيدلة وهو اول من كشف الطفيلية الموجودة في الانسان المسماه الانكلستوما ، وترجمت الى اكثر لغات العالم وظلت مرجعا عاما لأطباء العالم . واساساً للمباحثات الطبية في جامعات فرنسا وايطاليا ستة قرون .
وإذا انتقلنا الى مجال علم الكيمياء لوجدنا العلماء المسلمون برعوا في هذا المجال أيضاً كما قال العالمة ول دورانت ( يكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا علم الكيمياء بوصفها علماً من العلوم ذلك أن المسلمون أدخلوا الملاحظة الدقيقة ، والتجارب العلمية والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة ) ومن أبرز علماء المسلمون جابر بن حيان الذي ألف كتباً كثيرة من الكيمياء ثم نقل اعدادا كبيرة فيها إلى اللغة اللاتينية ومن كتبه المشهورة ( الاستتمام ) نقل إلى الفرنسية 1672 مما يدل على نفوذه العلمي في أوروبا مدة طويلة ، وكذلك من علماء المسلمين الذين اشتهروا هو الرازي صاحب كتاب ( الحاوي ) وهو من أجل الكتب واعظمها وهو أول من وصف زيت الزاج والكحول ، وخلف أكثر من مائتي مؤلف في الطب والكيمياء والهندسة والمنطقة وغيرها ، وإذا عرجنا إلى علم الفيزياء فهناك علماء برعوا في هذا المجال كأبو الريحان البيروني الذي ” عين الكثافة النوعية لثمانية عشر نوعاً من أنواع الحجارة الكريمة ، ووضع القادة التي تنص على أن الكثافة النوعية للجسم تتناسب مع حجم الماء الذي يزغيه .. وشرح أسباب خروج الماء من العيون الطبيعية ، والآبار الارتوازية بنظرية الاواني المستطرقة ) ومنهم أيضا العامل لحسن بن الهيثم وهو أشهرهم وله ابحاث ومؤلفات في الرؤية المستقيمة والمنعكسة والمنعطفة ، وفي الضوء في المرايا المحرقة واشتغل بالعدسات والبصريات ، وابتكر طريقة صحيحة لأبعاد بعض البعد البؤري ، وكذلك قام بأبحاث أخرى وخاصة بما يسمى الغرفة المظلمة أو ( آلة التصوير ) التي كان أول من استخدمي ويعزى إليه ايضا اكتشاف التمييز بين الظل وشبه الظل ، وإذا ذهبنا إلى علم الرياضيات لوجدنا أن علماء المسلمين قد أبدعوا في هذا المجال فعلى سبيل المثال لا الحصر العالم محمد بن موسى الخوارزمي الذي كتبا كثيرة في هذا الفن ومنها كتاب ( الزيج الاول ) وكتاب ( العمل بالاسطرلاب ) وكتاب
( التاريخ ) وكتاب ( الجبر والمقابلة ) الذي ألف بتكليف من الخليفة المأمون ، وقد نقله إلى اللاتينية روبرت الشثرى سنة 1145 .
واقتبس منه الأوربيون معارفهم الأولى في علم الجبر وقد ظل يدرس في المدارس والجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر ومنهم أيضا العالم الكبير الحسن بن الهيثم الذي الف كتاباً جمع فيه أصول الهندسة والعددية وادخل في الجبر والحساب طرقاً جديدة في استخراج المسائل الحسابية من جهتي التحليل والتقدير العددي ) ومنهم أيضا بنو موسى بن شاكر اشتغلوا في استخراج مسائل هندسية لم يستخرجها أحد من ألاولين كقسمة الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية ) .
كما برع علماء المسلمين في العلوم الاجتماعية والتاريخ ومنهم ابن جرير الطبري والحفاظ ابن كثير وصاحب السير محمد بن اسحاق صاح بكتاب
( سيرة ابن هشام ) والمقريزي صاحب المخطوطات وابو بكر البعدادي وكتابة الشهير ( تاريخ بغداد ، وابن خلدون صاحب كتاب ( المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ) الذي جمع فيه ثقافات الشعوب وعادتهم . وأينما يممت وجهك إلى علم أو مجال لرأيت العلماء المسلمين قد ساهموا به كعلم الجغرافيا والفلك والمقام يطول لاتفيه مقالة ولكن الخلاصة من هذا المقال ان الأمم تبني حضارتها إذا توفر لديها عنصران رئيسيان وهما ( العلم والحرية ) بهذا تتقدم المجتمعات وتزدهر عقولها وتتسع مداركها للبناء المادي والمعنوي .
د. سحمي عبدالله العجمي
مدرب م . ج
مكتب التربية العلمية تخصص اسلامية