د. حمود العبدلي يكتب: ما هي الجودة؟
في عام 1985، سأل بول Ball، “ما هي الجودة بحق الجحيم؟
ما يقرب من 40 عاماً ومنذ ذلك الحين يواصل الباحثون في التعليم العالي الإجابة على هذا السؤال؛ فوجود العديد من التعاريف لجودة التعليم يدل على تعقيد المفهوم وطبيعته المتعددة الأوجه، فالجودةديناميكية وسياقية، وفي نفس الوقت ذاتية ولا يمكن تعريفها او قياسها كمياً، وتعتمد على وجهات نظر أصحاب المصلحة stakeholders، ويعود السبب لعدم الاتفاق على مفهوم محدد إلى:
• التفسيرات المتعددة للجودة التي تنشأ من تعدد وجهات نظر اصحاب المصلحة بما فيهم مقدمي الخدمات ومستخدمي المنتجات ومستخدمي المخرجات والعاملين في القطاع المعني.
• ديناميكية الجودة التي تجعل المفهوم عرضة للتغيير في سياق مشهد تعليمي واقتصادي وسياسي واجتماعي أكبر.
• الجودة مفهوم متعدد الأبعاد لذلك، فإن اختزال المفهوم إلى تعريف في جملة واحدة يقلل من أهميته وفهمه، وفي سياق التعليم العالي فهي إما أحادية البعد وتفتقر للمعنى والخصوصية او عامة لا يمكن تفعيلها.
وتشير التوجهات العالمية البحثية والعملية في الآونة الأخيرة ان مفهوم الجودة يحركه أصحاب المصلحة، ويتسق هذا الاتجاه مع التغيرات التعليمية في المملكة المتحدة KU والولايات المتحدةUSA وكندا، حيث اضطرت الجامعات لتعزيز ثقة الجمهور، إلى إثبات الجودة من خلال أدلة على تعلم الطلاب بدلا من الاعتماد على هيئات الاعتماد لتأكيد الجودة على أساس الالتزام بالمعايير المحددة مسبقا.
ويتطلب تحديد مفهوم الجودة بشكل كاف دراسة متأنية لمختلف وجهات نظر أصحاب المصلحة التي تقود تعريف الجودة والمؤشرات المستخدمة لقياس الجودة؛ فلأصحاب المصلحة تصورات مختلفة حول ما يجعل مؤسسة التعليم العالي عالية الجودة لأنها تستند إلى اهتماماتهم واحتياجاتهم، وتختلف هذه التصورات حول المعايير وأهميتها بناء علىتلك الإحتياجات؛ وبالتالي فإن مؤسسات التعليم العالي وكذلك وكالات الاعتماد مجبرة على تحقيق التوازن بين مصالح جميع أصحاب المصلحة في تلبية المعايير.
والأمر الأكثر جدارة للمخطط التعليمي او خبير جودة التعليم هو معرفة كيفية دمج وجهات نظر أصحاب المصلحة المتباينة حول الجودة وهنا تتأكد مهارات المخطط او الخبير وما سواه من ممارسات هي خبط وادعاء لا أصل علمي لها.
وتشير نتائج الأبحاث إلى مشاركة أصحاب المصلحة في وضع معايير الاعتماد، وإن كان التركيز يتم بشكل أساسي على الطلاب (مستخدمي المنتج) وأصحاب العمل (مستخدمي المخرجات) باعتبارهما أصحاب المصلحة الأكثر وضوحا؛ إلا انها تشمل إضافة لذلك: الأكاديميين،والهيئات المهنية، والحكومات، ومقدمي التمويل، والنقابات الأكاديمية،وأعضاء هيئة التدريس، وموظفي الجامعة، وأولياء الأمور، والخريجين،وعامة الناس؛ إن إشراك مجموعة واسعة من وجهات النظر يأخذ قضية المعايير بعيدا عن المقيم الفردي أو فريق التدريس ويشمل أصحاب المصلحة المحتملين، للحصول على قرارات واسعة النطاق بتوافق الآراء وشعور بملكية المعايير.
وعليه فإن هناك حاجة لمزيد من فحص مجموعات أصحاب المصلحة الأخرى الأقل دراسة مثل أعضاء هيئة التدريس وأولياء الأمور وعامة الناس، الذين كانت وجهات نظرهم تقليديا أقل احتمالا للنظر فيها عند تحديد الجودة في التعليم الجامعي، حتى تتمكن مؤسسات التعليم العالي من فهم ما لديهم لتقديمه.
والملاحظ ان محصلة المناقشات حول مفهوم الجودة في التعليم تتطلب تأسيس ثقافة الجودة في التعليم العالي تشرك جميع أصحاب المصلحة في المناقشة لضمان دمج وجهات النظر والاحتياجات المختلفة، ومع زيادة تكامل الجامعات مع المجتمع بسبب مسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية الموسعة تبرز الحاجة إلى تطبيق مفهوم نظرية أصحاب المصلحة على قطاع التعليم العالي.
وتشير الممارسات ان أصحاب المصلحة يعدون الجودة في التعليم قضية توجه الجهود المبذولة لتحسين عملية التدريس من اجل “التعلم” وهذه هي النقطة الجوهرية في مفهوم الجودة، وتعترف أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم بأن جودة التدريس هي العامل الأكثر أهمية داخل المؤسسة التعليمية الذي يؤثر على تعلم الطلاب، كما تعتبر مسألة توظيف الخريجين بالنسبة لهم مسألة حاسمة، ويتم تقييم جودة خريجي الجامعات مقابل القدرة على المساهمة في النمو الاقتصادي والتنمية؛ ويصبح أي نظام للتعليم العالي مضيعة إذا أنتج خريجين عاطلين عن العمل وكذلك أولئك الذين لا يستطيعون خلق فرص عمل خاصة بهم.
وبمرور الوقت يصبح الحاجة لجودة التدريس أكثر الحاحاً؛ حيث أظهرت الأبحاث بوضوح أن مخرجات التعلم مرتبطة بجودة سلوك التدريس وهي نقطة جوهرية في نظام التعليم لا يمكن الحديث عن تحسين التعليم وضمان جودته بدونها؛ بل هي نقطة الارتكاز وتدور كل عمليات الجودة حولها، مع الانتباه ان آليات ضمان الجودة والمساءلة يجب ان لا تحولها إلى روتين إداري يتم فيها التأكيد على إدارة التدريس بدلاً من ممارسة التدريس.