ماذا نعني ب “التعلم بالملاحظة”؟ وكيف يؤثر في سلوك الطفل وتربيته؟
على سبيل المثال، في حال شاهد الطفل والديه يتجادلان بصوتٍ عالٍ ويلوحان بأيديهما، فمن الطبيعي أن يقلّد هذا السلوك فيما يطلق عليه في علم النفس “التعلم بالملاحظة”.
ويعد عالم النفس ألبرت باندورا الباحث الأكثر ارتباطا بالتعلم من خلال الملاحظة، فقد أثبت هو وآخرون أن الإنسان يميل بشكل طبيعي إلى الانخراط في التعلم القائم على مراقبة الآخرين.
من جهتها، تقول الأخصائية النفسية للأطفال والمراهقين أسماء طوقان، إن التعلم بالملاحظة يبدأ في المراحل الأولى من حياة الطفل، من خلال مراقبة الطفل تفاعل وتصرفات من حوله، كالأب والأم والإخوة والأصدقاء والجيران.
ويتم ذلك من خلال مراحل التعلم الـ4 في علم النفس وهي:
- الانتباه: لا تكفي مجرد المشاهدة للتعلم، بل ينبغي أن ينتبه الطفل إلى ما يحصل حوله.
- الحفظ: على الطفل أن يتذكر السلوك الذي يشاهده في وقت لاحق، ويعتمد ذلك على قدرته على تكرار أفعال النموذج ذهنيا أو جسديا.
- الحركة: امتلاك القدرة الحركية لتقليد الأفعال التي شاهدها.
- التحفيز: يجب أن يكون لدى الطفل دوافع تحفزه على تقليد أفعال النموذج.
مظاهر تأثير التعلم بالملاحظة
وتوضح طوقان، بأن تأثير التعلم بالملاحظة على شخصية الطفل واستقراره النفسي يكون كبيرا، حيث يؤثر على نموه العاطفي والاجتماعي والعقلي من خلال:
- تكوين شخصية الطفل: حيث تسهم الملاحظة في تشكل القيم والاتجاهات السلوكية من خلال مراقبة سلوك الآخرين وانفعالاتهم.
- تكوين العلاقات الاجتماعية: حيث يتعلم من خلال الملاحظة كيفية التفاعل مع الآخرين وبناء العلاقات الاجتماعية، مما يؤثر بشكل كبير على سلوكه مع الآخرين فيما بعد.
- تعزيز الاستقرار النفسي: حيث إن التعلم بالملاحظة يسهم في تطور فهم الذات وزيادة الثقة بالنفس، وتحسن التواصل الاجتماعي والعلاقات الشخصية.
- تطوير الفهم والتعلم: من خلال مراقبة تفاعل الطفل مع البيئة، يمكن للوالدين تحديد نقاط القوة والضعف في شخصيته وتشجيعه وتوجيهه لتحسين أدائه وسلوكه.
التعلم بالملاحظة والتقنيات المعاصرة
أما المستشار التربوي الدكتور عايش نوايسة، فيقول بدوره إن التعلم بالملاحظة “يستند إلى نظرية التعلم الاجتماعي والتعلم بالملاحظة للباحث ألبرت باندورا (عالم نفسي كندي مشهور بنظريته في التعلم الاجتماعي المعرفي)، ومن المعروف أن الأطفال يكتسبون سلوكيات عديدة من خلال النمذجة أو الملاحظة والتقليد”.
ويعتمد التعلم بالملاحظة بشكل كبير على العديد من الوسائط في البيئة التي يعيش فيها الطفل، “ومن هذه الوسائط الأهل أو الأقران، وهذا التعلم يعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يتعرض فيها الطفل إلى السلوك النموذج وبشكل خاص في حال التعزيز أو العقاب، وعادة ما يترك أثرا، إما إيجابي وإما سلبي لدى الطفل”.
ويضيف، “التعلم بالملاحظة اليوم يرتبط بشكل كبير في الوسائل والتقنيات المعاصرة، التي أصبحت تفرض نفسها على نطاق الطفل التعليمي، فهو يتعلم مما يشاهد أو مما يسمع، حيث يظهر المعزز التلقائي، وهو الاستحسان الذي يراه الفرد يعطى للقدوة التي أمامه نتيجة قيامه بسلوك معين وإنجازه لهذا السلوك”.
ويرى نوايسة أن هذا التعزيز إيجابي “وهذا السر في تعلم السلوك وتقليده، والعوامل المؤثرة في التعلم الاجتماعي ترتبط بالمكانة الاجتماعية أو درجة الشهرة والنجومية، فيزداد الحرص على الانتباه للنموذج ومتابعته والاقتداء به كلما كان النموذج نجما أو صاحب شهرة”.
“وكذلك ما يصدر عن النموذج من أنماط استجابة مصاحبة وتأثيره الشخصي على الفرد الملاحظ، ودرجة حياده أو موضوعيته في العرض”، وفق نوايسة.
الملاحظة والتفاعل الاجتماعي
ويقول المستشار نوايسة إن للتعلم بالملاحظة شكلين، هما:
- المحاكاة: ومن خلالها يكتسب الطفل واحدة أو أكثر من الأفعال التي يقوم بها النموذج، ويكون متواجدا جسديا حتى تتم المحاكاة.
- التقمص: يكتسب الطفل نماذج وسلوكيات عامة وسلوكيات دائمة، النموذج غير متواجدا جسديا، ولكنه موجود في التقمص.
ويضيف، “ترتبط الملاحظة بالتفاعل الاجتماعي، والذي يمكن أن يكتسب الأطفال من خلاله اللياقة اللغوية وعلميات تكوين القواعد النحوية للغة”.
من جهة أخرى يعد التعلم بالملاحظة مصدرا مهما لتعلم السلوك الإبداعي، وينتج ذلك من خلال التعرض إلى عدد كبير من النماذج بحيث يعمل الفرد على استخلاص ملامح مختلفة من سلوكيات هذه النماذج لتوليد سلوكيات مبتكرة وجديدة.
ويختم النوايسة بقوله، “تجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما تنوعت النماذج وازداد عددها، زادت احتمالية توليد استجابات جديدة ومبتكرة”.
عوامل تزيد احتمالية التعلم بالملاحظة
ووفقا لدراسات الباحث باندورا، هناك العديد من العوامل التي تزيد من احتمالية تقليد السلوك والتعلم بالملاحظة من بعض الأشخاص، وفق ما نشر موقع “فري ويل مايند”، وفق التالي:
- الأشخاص الذين نعتبرهم دافئين ومهتمين.
- الأشخاص الذين يتلقون مكافآت على سلوكهم.
- الأشخاص الذين يشغلون موقعا موثوقا في حياتنا.
- الأشخاص الذين يشبهوننا في العمر والجنس والاهتمامات.
- الأشخاص الذين نعجب بهم أو الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية أعلى.
- عندما تتم مكافآتنا لتقليد السلوك في الماضي.
- عندما نفتقر إلى الثقة في معرفتنا أو قدراتنا.