كتاب أكاديميا

الإعلام والتعليم … في خدمة قضايا التنمية في المجتمع

person

بين الإعلام والتعليم العديد من الأهداف المشتركة، بل وجل الرؤى بينهما متقاربة، فلهما رسالتان متلازمتان حول قضايا مشتركة بما يمكن معه القول بأن الإعلام في بعض جوانبه تربوي والعكس صحيح وإن اختلفت آلية العمل وتنوعت أساليبه. إلا أن ذلك يطرح تساؤلاً حول ماذا يريد التعليم من الإعلام؟ وماذا يريد الإعلام من التعليم؟ ثم التساؤل الأهم وماذا يريد المجتمع منهما؟

والمتتبع لحركة المجتمعات يلحظ تنافساً – متخذاً صوراً مختلفة – بين النظم التعليمية والإعلامية أوجد ما يمكن أن يطلق عليه اختلافات في المنطلقات الفكرية الموجهة إلى عقول أفراد المجتمع، فالاختلاف قائم بين ما ترتكز إليه النظم التعليمية من محتوى ناتج من استخدام لأدوات البحث العلمي بما يتناسب مع المستويات العمرية المختلفة لكل مرحلة من مراحل التعليم، وبين ما ترتكز إليه النظم الإعلامية من اتصال جماهيري يهتم بتقديم الجديد بتنوعه دون التأمل والتدقيق في محتواه.. وقد أدى هذا الاختلاف إلى الحاجة الماسة إلى التواصل بين الثقافة التربوية التي تعتمد على المعرفة ذات الطابع الأكاديمي وبين الثقافة الإعلامية ذات الطابع التوجيهي الجماهيري، لخدمة القضايا التربوية من ناحية وخدمة المجتمع وأفراده من ناحية أخرى لهذا نجد أن التناغم بين المؤسستين التربوية والإعلامية أمر حتمي وهام، فكلاهما يسهم بقدر مختلف بمالة من أدوات في التنشئة الاجتماعية للفرد.

ولعل من نافلة القول بأن ثقافة الأجيال الجديدة واكتسابهم للمفاهيم والقيم والاتجاهات قد تأثرت بصورة مباشرة من التطورات الكبرى الحادثة في وسائل الإعلام وتقدم تقنية الاتصالات والحصول على المعلومات. وقد أصبحت تقنية المعلومات ووسائل الإعلام في صميم صلب العملية التعليمية، كاستخدام شبكة المعلومات الدولية في إعداد الخبرات التعليمية للطلاب.

وشائج الصلة بين الإعلام والتعليم:

يعد الإعلام بما يملكه من قوة الكلمة وعظم التأثير من أهم صناع الرأي العام ، كما أن مؤسسات التعليم هي أساس إعداد المواطن الصالح وإنسان الغد وفق تصور المجتمع وتطلعاته، ولاشك أن المؤسستين يشتركا في إعداد ابناء الوطن. كما يسهم الإعلام بأدواته المختلفة في إحاطة الرأي العام بقضايا التعليم ومشاكله وموضوعاته التي يعالجها، مما يساعده في تكوين رأي عام تجاه التعليم والتأثير عليه سلباً أو إيجاباً.

ولا يستطيع أي مدقق أن ينكر أن للإعلام دور ثقافي يشارك فيه التعليم كمصدر هام من مصادر المعرفة بدرجات متفاوتة في سياق حضاري بما يتناوله عن المحافل والندوات والملتقيات الثقافية فضلاً عن كونهما مجالاً علم ومعرفه، فالتعليم بما له من كينونة مستمدة من البحث العلمي منهجاً وغاية وأداة، يمد المواطن بالعلم بحيث يكملان كلاهما الآخر من أجل البنية العلمية له وما يتبعها من سلوك.

والتعليم قضية وطنية عامة معني بها الجميع ، تقع على المؤسسات الإعلامية مسئولية التعاطي معها لتكون بمثابة أداه ضغط لاتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن العام، مما يجسد البعد الوطني للقضية التعليمية. ولعلنا ندرك أنه لم يصبح نصيب المدرسة في ” التنشئة الاجتماعية ” لتلاميذها مثل ما كان عليه من عقود خلت، بعد أن شارك الإعلام – المرئي منه بصفة خاصة – في العقود الأخيرة بصورة قوية في هذه المهمة الرئيسية بما يمكن تسميته ” التوعية والتثقيف ” بعد أن استحوذ بقنواته وادواته التكنولوجية المستجدة والمتعددة على نصيب أكبر من الوقت الحر لمن هم في سن التعلم.

فالإعلام يتناول الثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة من خلال ما تنقله وسائله من موضوعات متباينة من مختلف جوانب الحياة، في حين يقتصر دور المؤسسات التعليمية على تقديم المقررات الدراسية والأنشطة المصاحبة لها والتي تستمد أصولها من التراث الثقافي للمجتمع والبنية الأساسية للمجال المعرفي الذي يتعلمه الطلاب، ومع اتساع تأثير وتنوع الأدوات الإعلامية في الوقت الراهن، فإنه ينبغي التعامل معها بمنظور تربوي، بل وينبغي أن نؤكد على ما أشارت إليه اليونسكو إلى أنه “يجب أن نُعد النشء للعيش في عالم سلطة الصورة والصوت والكلمة”.

وبعامة فإن الإعلام والتعليم نظامين متكاملين، فالتعليم يمد الإعلام بطاقاته العاملة الفنية والإدارية التي تتحمل عبء تشغيله، كما يقدم جمهوراً متعلماً يستقبل رسالته. وبذلك، فإنه بقدر جودة نظام التعليم تكون جودة النظام الإعلامي وكفايته، إرسالاً واستقبالاً، ومن ناحية أخرى فإن الإعلام يؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المجتمع وثقافته السائدة ومستوى المعرفة والفكر والقيم، فضلاً عن قيامه بدور تعليمي عبر البرامج التعليمية ذات القدرة على الانتشار الواسع.ولا يفوتنا في هذا المجال الإشارة إلى التعليم المفتوح وارتكازه – بصورة فارقة عن التعليم التقليدي – على الأدوات المختلفة للإعلام من أدوات التواصل والاتصالالحديثة كمصدر للمعلومات بما يسمح للدارس بمساحة أكبر لممارسة التعلم الذاتي داخل وخارج قاعات الدرس، كما أن دور المربي كطرف مباشر في العملية التربوية لم يعد هو المصدر الوحيدكما كان عليه من قبل، بما يجعل الإعلام أداه من أدوات التقدم العلمي والتقني، بما يكسبه لطلاب التعليم المفتوح من قدرة ومهارة في استخدام تلك الأدوات فضلاً عن اكتسابهم القدرة على الاختيار والنقد، ومهارة الفرز والانتقاء وبما يؤدي إلى نموهم نمواً متكاملاً لشخصياتهم.

التعليم … الإعلام … انعكاسات مجتمعية

من المعروف أن أي قضية لا تشغل حيزاً مهماً من أولويات صانعي القرار ما لم تكن من بين أولويات اهتمامات الرأي العام … والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من يرشح أو يبرز أولويات اهتمامات الرأي العام … إنها وسائل الإعلام في المجتمع، فاهتمامها بقضية معينة يرشح هذه القضية للدخول في دائرة اهتمام الرأي العام.

وترتبط استثارة الرأي العام وحماسة لقضايا النظام التربوي بالطريقة التي تشخص بها وسائل الإعلام هذه القضايا، والكيفية التي يفسر بها الجمهور الرموز المرتبطة بها.

ويحتاج التعليم في معظم الدول العربية لدور الإعلام في تشجيع الأسر على إلحاق أبنائها بالتعليم الفني باعتباره يمثل قطب الرحى في عملية التنمية والبناء، وتسليط الضوء بشكل مستمر على احتياج المجتمع ومشروعاته المختلفة إلى خريجي التعليم الفني، إضافة إلى تقديم التجارب الدولية الناجحة في التعليم الفني، وإبراز الآثار الإيجابية على النهضة الصناعية في هذه الدول نتيجة النهوض به، وبذل الجهود اللازمة لتغيير الصورة النمطية السلبية المنتشرة في أوساط الرأي العام العربي حول التعليم الفني وإعداد العمالة الماهرة التي تحتاجها مجتمعاتنا.

ونشير هنا إلى أن مشاركة المجتمع الفاعلة في دعم التعليم تظل رهناً بدور أكثر فعالية لوسائل الإعلام من خلال حملات إعلامية منظمة وبرامج وحوارات مكثفة تدعو إلى تفعيل دور المجتمع في دعم التعليم الفني خاصة من جانب القطاع الخاص، الذي يمكن أن يقدم الكثير في جوانب دعم التعليم الفني، من خلال توفير فرص التدريب العملي للطلاب بالمصانع والشركات والمشروعات الاقتصادية المختلفة، وتوفير المنح الدراسية للمتفوقين ودعم صناديق التكافل الاجتماعي للطلاب غير القادرين.

كما أن هناك العديد من قضايا النظام التعليمي التي تعكس أثارها بصورة مباشرة على المجتمع، ولعل من أبرزها ما يتعلق بديموقراطية التعليم كمقدمة أساسية لديموقراطية المجتمع، فقيم الديموقراطية تدور في معظمها حول الإنسان بقيمته وحريته وقبوله للآخر.. والديموقراطية كسلوك ومشاركة تتجسد داخل المدرسة بنفس القدر الذي توجد به خارج المدرسة .

وقد يوجه البعض النقد للوسائل الإعلامية في عالمنا العربي، أنها لم تتمكن من أداء دورها المطلوب في التربية والتنشئة، فباستثناء الوسائل الممولة حكومياَ – والتي عادة ما تحظى بنسبة مشاهدة ضعيفة، فإن الوسائل الإعلامية الخاصة قد تطرح قيماً وأفكاراً لا تتفق في بعض منها مع ثقافة المجتمع وخصوصيته.

إن دور المؤسسات الإعلامية لابد وأن يتكامل مع دور المؤسسات التعليمية في التنمية المجتمعية أو تحقيق العدالة الاجتماعية والتوعية بقضايا التنمية البشرية وتعزيز قيم الانتماء لدى أفراد المجتمع.

وبعامة فإنه يمكن القول بأن الإعلام – بالنسبة لواقعه المعاصر – يعد جامعة كبرى مفتوحة لها مناهجها اليومية المتجددة والمتغيرة مع الظروف والأحداث، والمتطورة بتطور الحاجات والاهتمامات، والمتسعة باتساع الوعي العام للمجتمع، وبما يمثل مرآة المجتمع الكبرى.

 

الأستاذ الدكتورةموضي عبد العزيز الحمود

مدير الجامعة العربية المفتوحة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock