أسرته دعمت موهبته.. طفل عمره 11 عاماً يحول الخط المغربي المبسوط إلى أيقونة
يقطن عبد الصمد في منزل متوسط بحي الألفة في مدينة الدار البيضاء، وفي جزء من غرفته الصغيرة التي حولها إلى ورشة، تبرز أعماله المثيرة للإعجاب، تزين الجدران، في حين يضع أقلامه ومحابره فوق مكتبه بعناية ظاهرة.
يقول عنه والده سعيد سناح المتصرف بوزارة التعليم العالي للجزيرة نت، “بدأ ابني الرسم في سن مبكرة، وقبل عام تعلق بالخط العربي، وتحولت موهبته إلى شغف ظاهر، فهو يقضي أغلب الأوقات بعد المدرسة في مرسمه”.
ميزة خاصة
تتذكر الخطاطة المغربية سهام قرواض دهشتها الأولى وهي تراه يكتب في أول حضور له في ورشة للخط. كتابة أظهرت موهبته الفطرية المبدعة، ولكن أيضاً هدوءه ورزانته وشغفه وسرعة بديهيته.
تقول قرواض، خريجة أكاديمية الفنون التقليدية، للجزيرة نت “إن الطفل عبد الصمد يكتب بقوة وبراعة تشير إلى شخصية متفتحة ورحبة، تستكشف وتتعلم وتنمو، وتتجاوز الحدود دون إخلال بالأصل، كما استطاع أن يحول الخط المغربي المبسوط إلى أيقونة مميزة”.
وفي حين تبرز موهبة عبد الصمد النادرة، تؤكد أن الخط رسالة يجب تمريرها للأجيال المقبلة بكل حب وعطاء، وبأسلوب مبسط يأخذهم إلى آفاق جديدة أمامهم، وفرصة كذلك لتكريس مجموعة من عادات أصيلة تساهم فيما بعد في تشكيل شخصيات سوية مبدعة.
خط مبسوط
يدخل في صمت ومهابة كل من يتأمل الخط المغربي المبسوط، ويسافر إلى عالم التأمل في كلام الخالق، انطلاقا من رمزيته الدالة على العديد من الخبايا والأسرار التي لا يحيط بها إلا خاصة العلم والمعرفة الحقة.
بهذه الكلمات، وفي حديث للجزيرة نت، يصف الأكاديمي المغربي محمد البندوري، هذا الخط العريق، الذي أخذ اتخذ صبغة القدسية لأنه يمارس دورا روحيا من خلال تخصيصه لكتابة المصاحف القرآنية الشريفة، وذلك لوضوحه وجمالياته التي تتخذ من انحناءات حروفه واسترسالها وتدويراتها نسقا خاصا بها.
ويقول عن عبد الصمد إنه يقوم بعدد كبير من الأمشاق (التدريبات) لتحقيق الإبداع، وإن طموحه أضحى أكبر من أن يخطط كتابة أو ينجز عملا خطيا في لوحة، وإنما أصبح له حلم كبير في ارتياد مجال الإبداع من أوسع أبوابه.
حضور دائم
يحرص عبد الصمد على حضور المنتديات والمعارض، وينتقل إلى مدن أخرى من أجل ذلك، لا يتوانى أبدا في تقديم نفسه أنموذجا لموهبة تشق طريقها نحو العالمية.
ويشير البندوري إلى أنه اختبره فوجده قارئا للكتب الأكاديمية والمراجع الحصيفة، ووقف على كتاباته التطبيقية المباشرة فوجد ذاك المراس المزدوج الذي يقتحم به الفنون والجمال والخط والثقافة من الباب الواسع.
إنه يشكل مساحة متفردة من خلال صنعه لمجال خطي في مستوى ينعم بالجودة والحسن والجمال، لينقش خطه في الفن المغربي بطابع الجودة منذ صغره.
ويضيف أنه طفل مبدع بتفاعله الرائع بروحه ووجدانه مع التراث الحضاري المغربي، بمهارات كبيرة وبتقنيات عالية، جعلت لأسلوبه مقومات جمالية وأسسا فنية ومظاهر إبداعية وخصائص ابتكارية، ليؤصل منذ طفولته لمنحى خطي وفني وثقافي ينبض بالجمال.
تعبير عن الذات
من يتابع عبد الصمد على مواقع التواصل الاجتماعي يجد له معجبين كثر، يجعل هذا الخط المغربي المبسوط الذي يتقنه وسيلة للتعبير عن الذات ولإلهام الآخرين.
حين يدير محادثة في مواقع التواصل الاجتماعي مع صديق من بلد آخر يكون همه أن يظهر جمالية الخط المغربي المبسوط، الذي يقول عنه إنه يمتاز بالليونة وله قدسية خاصة.
مثله مثل أقرانه، يرتبط عبد الصمد بالتكنولوجيا، ويتطلع إلى المستقبل، ويرجو أن تكون له بصمة في تطوير هذا الخط، إما بالشكل العادي أو بخط الحواسيب، كما يقول والده.
ويضيف “له مشاركات مميزة في مسابقات وطنية في مجالات شتى، رغم ذلك هو حريص على أن يعيش طفولته، مفتون بركوب الخيل، محبوب بين أصدقائه”.
حلم كبير
من يجيل نظره في ورشة عبد الصمد يجد آيات القرآن الكريم قد غلبت على معظم لوحاته، حين يحدثك عن أحلامه فهي أحلام كبيرة لكن بعزيمة قوية ومثابرة دائمة.
يشرح عبد الصمد دون أن يظهر عليه الارتباك، أنه شرع تحت رعاية أساتذته في كتابة “جزء عم” بالخط المغربي المبسوط، وجزء “تبارك” بخط الثلث، موضحا أن ذلك بداية مشوار نحو تخطيط المصحف الشريف كاملا، ليصبح ربما أصغر خطاط في المغرب وربما في العالم يحظى بهذا الشرف.
ويضيف “من يريد طريقا إلى المعالي، يجتهد ويطور نفسه إلى أن يصل إلى مبتغاه”، هو معجب كثيرا بالأستاذ الأكاديمي عبد الرحيم قولين، ويراه قدوة له، لكنه لا ينسى أبدا فضل كل الأساتذة الذين تعلم على أيديهم.