أسوة بالجامعة
من يتابع تطور كادر أعضاء هيئة التدريس بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب مقارنة بكادر الجامعة، يجد أن المخصصات المالية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة كانت دائما الأفضل. الاستثناء الوحيد كان خلال فترة قصيرة في التسعينات من القرن الماضي حين كانت الأفضلية للتطبيقي بفارق بسيط. في تلك الفترة كان التطبيقي جاذبا لبعض دكاترة الجامعة ومنهم من انتقل فعلا إلى كليات الهيئة وتقلد لاحقا مناصب إشرافية. وأيضا من بينهم من استشارني بشأن انتقاله إلى التطبيقي من أجل الفارق في الراتب والراحة حسب وصفه وتبريره. الشاهد أنه، باستثناء تلك الفترة الفريدة، كنا نحن دكاترة التطبيقي دائما نطالب بمساواتنا ماليا بنظرائنا في الجامعة. حيث كنا ننطلق في مطالباتنا من مبدأ «أسوة بالجامعة» وكان عادة مثمرا ولو بعد حين. منهجية «أسوة بالجامعة» تطورت وتمخض عنها توحيد المطالبات بين رابطة أعضاء هيئة التدريس بالتطبيقي وبين الجمعية المناظرة لها بالجامعة. إقرار كادرنا الحالي في عام 2006 كان من أبرز نتائج هذا التكاتف بين الرابطة والجمعية، فضلا عن زيادة مخصصات الساعات الإضافية منذ العام 2010.
توحيد كادري التطبيقي والجامعة كان سببا رئيسا لاستقطاب طاقات شبابية متميزة مهنيا ومتفوقة أكاديميا وفي مقدمها مجموعة من مهندسي القطاع النفطي. هؤلاء الشباب يحملون اليوم شهادات دكتوراه في أحدث التخصصات الهندسية الدقيقة ومن أرقى الجامعات العالمية، وتجدهم الأكثر تفاعلا في لجان القسم وأنشطته الأكاديمية والأبرز تفهما لطلبتهم بل إخوانهم الصغار. التعليم التكنولوجي يقطف اليوم ثمار أفضلية كادره على كادر القطاع النفطي في الفترة من عام 2006 ولغاية إقرار كادر القطاع النفطي الأخير في عام 2011. ما سبق يمثل الجانب الإيجابي من عائدات شعار «أسوة بالجامعة»، ولكن هناك جوانب سلبية لهذا الشعار الذي تحول في ما بعد إلى ثقافة أضرت بالجانب الفني في التطبيقي. هويتنا التطبيقية ذابت على مر السنين فاختفى الطابع العملي عن كلياتنا وتباعا عن مخرجاتنا. بسبب طبيعتها الهندسية، كلية الدراسات التكنولوجية هي الأكثر تضررا من هذه الثقافة الدخيلة. أصبحنا إلى درجة ما «نتأسى» بالجامعة ونحاكي أساتذتها في إعداد مناهجنا وتدريسها وتقييم مدى استيعاب الطلبة لها. نحن، أعضاء هيئة التدريس في كلية الدراسات التكنولوجية، معظمنا يحمل بكالوريوس أكاديمي وليس تكنولوجيا. الكثير منا لم يمارس مهنة مهندس وإن كانت لديه سنوات خبرة بمسمى وظيفي هندسي. أغلب المخضرمين بيننا لم يزاولوا العمل الهندسي منذ سنين انتسابهم للكلية. ساعات التدريب الميداني انكمشت ولا تزال هناك مساعٍ للمزيد من التقليص. أعداد الطلبة الذين يشرف عليهم المدرس تضاعفت، وساعات التكليف بالإشراف عليهم خفضت. فقدنا، لأسباب مختلفة، فنيي ورش ومدرسي مختبرات ولم يتم تعويضهم بالرغم من تعاظم الحاجة لهم بسبب ارتفاع أعداد الطلبة المقبولين.
قدمت مقترحا في عام 2001، للجنة الشؤون العلمية في الكلية، باستحداث «تفرغ فني» لدكاترة ومدرسي التكنولوجيا. المقترح ينص على أن تتعاقد الهيئة مع جهة التفرغ الفني لانتداب الأستاذ، لمدة فصل دراسي، كمهندس في مجال تخصصه بكامل التزامات ومسؤوليات قرنائه في جهة الانتداب. ويفترض أن تكون جهات الانتداب من بين القطاعات التي نعد خريجينا للعمل فيها، كما يسمح للمنتدب بالانتقال بين جهات عدة للعمل كمهندس بتوصيفات وظيفية مختلفة. فيمارس تارة مهام مهندس صيانة، وتارة أخرى يقوم بواجبات مهندس تصميم أو تنفيذ. وافقت لجنة الشؤون العلمية بالكلية بالإجماع على المقترح وتم رفعه إلى إدارة الهيئة ولكنه لم يقر حتى الآن على الرغم من مرور ما يزيد على 12 سنة. قد يكون السبب وراء ذلك هو عدم توظيفنا لشعارنا السحري «أسوة بالجامعة».
قبل أيام طرحت الفكرة على بعض زملائي في القسم العلمي واتفقوا معي في أن الحاجة لإقرار هذا المقترح مازالت قائمة بل تجلت أكثر وينبغي أن تشمل جميع التخصصات التطبيقية. لذلك أدعو رابطتي التطبيقي إلى العمل على صياغة مقترح للائحة التفرغ الفني لأعضاء هيئتي التدريس والتدريب، على أن يقدم المقترح إلى إدارة التطبيقي بعد مروره عبر المنهجية المتبعة لتنقيح المقترحات في الرابطتين والتي تتضمن عرضها على الأعضاء والتعاطي مع ملاحظاتهم، كما أناشد النواب والمهتمين بالتعليم العالي بتبني أو دعم هذا المقترح «أسوة بالجامعة» في قضاياها ومقترحاتها. أتمنى أن يكون مفعول هذا الشعار في الجوانب الفنية مساويا لسحره في الأمور المالية.
أ.د. عبداللطيف بن نخي