كيف تبني قوة إرادة حديدية؟
وقد نجد أشخاصا آخرين يملكون الكثير من قوة الإرادة والقدرة على السيطرة على انفعالات ورغبات الذات، فترى شخصا كان قبل مدة قصيرة سمينا لا يكاد يكف عن التهام الطعام، ولكنه يملك الآن جسدا رياضيا رائعا، وهذا مجرد مثال.
ما قوة الإرادة وكيف نطورها؟
يعرّف علماء النفس قوة الإرادة بأنها القدرة على تجنب الإغراءات قصيرة المدى، والتحكم بالنفس والسلوك، وتجاوز الأفكار أو المشاعر أو الدوافع غير المرغوب فيها. وغالبا ما يستخدم الأشخاص مصطلح “قوة الإرادة” عند الحديث عن السلوكيات التي تتطلب جهدا عقليا أو جسديا كبيرا مثل الإقلاع عن التدخين، أو ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، أو توفير المال من أجل هدف معين، وتتضمن هذه التغييرات في السلوك تأخير الإشباع الفوري من أجل تحقيق أهداف طويلة المدى، وفقا لـ”جمعية علم النفس الأميركية” (APA).
ويستخدم الناس مصطلحات مختلفة للتعبير عن قوة الإرادة بما في ذلك الانضباط والتصميم والعزيمة والثبات، ويعتقد بعض الباحثين أن القدرة على “ضبط النفس” لها أسباب وراثية، ولكنها أيضا مهارة يمكنك تقويتها بالممارسة.
ويعد “ضبط النفس” أحد جوانب ما يطلق عليه العلماء اسم “الوظيفة التنفيذية” (Executive Function) التي يملكها الإنسان، وهي مجموعة من القدرات التي تساعد الناس على التخطيط لأهدافهم ومراقبتها وتحقيقها، كما ذكرت منصة “فري ويل مايند” (very well mind).
ولكن، هل هناك إستراتيجيات مبنية على دراسات علمية موثوقة قادرة على تطوير وتقوية إرادتنا كبشر؟
طريقك لتعزيز قوة إرادتك
إن قدرتنا على ضبط النفس والتركيز الذهني تتشكل من خلال “العقليات” (Mindsets) وهي مجموعة من المعتقدات التي تحدد كيف تفهم نفسك والعالم من حولك، وهي تؤثر على طريقة تفكيرك وشعورك وتصرفك في أي موقف معين، وهذا يعني أن ما تؤمن به عن نفسك يؤثر على نجاحك أو إخفاقك. وتشير الدراسات العلمية إلى إستراتيجيات قوية لأي شخص لبناء قوة إرادة أكبر، مع فوائد ضخمة لصحتك وإنتاجيتك وسعادتك وفق ما ذكرت منصة “بي بي سي” (BBC).
نظرية البطارية (استنفاد الأنا)
حتى وقت قريب، اقترحت “النظرية النفسية” السائدة أن قوة الإرادة تشبه البطارية. قد تبدأ اليوم بكامل قوتك، ولكنك في كل مرة تضطر فيها إلى التحكم في أفكارك أو مشاعرك أو سلوكك، فإنك تستنفد جزءا من طاقة تلك البطارية. وبدون فرصة للراحة وإعادة الشحن، تنخفض هذه الطاقة بشكل خطير، مما يجعل من الصعب للغاية الحفاظ على صبرك وتركيزك، ومقاومة الإغراءات التي في طريقك.
ولكن شككت دراسة علمية أجرتها عالمة النفس البروفيسورة فيرونيكا جوب في أسس هذه النظرية، وقدمت أدلة مثيرة للاهتمام على أن “استنفاد الأنا” أو البطارية، يعتمد على المعتقدات الأساسية للناس.
وأثبتت جوب أن الأشخاص الذين قاوموا إغراء قويا شعروا بقوة أكبر لمقاومة المزيد من الإغراءات، وذلك لأن القدرة العقلية على التحمل تغذي نفسها، ولا تستنفد حتى بعد القيام بمجهود عقلي مرهق، حيث يمكنك الاستمرار في القيام بالمزيد منه، وهو ما يعني أن لديك شخصية قوية، وعندك وجهة نظر “غير محدودة” لقوة الإرادة”؛ ولهذا فإن أول إستراتيجية لبناء إرادة قوية هو مقاومة الإغراء الأول، فهذا سيعطيك قوة إضافية لمقاومة الإغراء الثاني.
وأثبتت جوب كذلك أن أفكار الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة حول قوة الإرادة كانت نبوءات تتحقق من تلقاء نفسها “إذا كانوا يعتقدون أن قوة إرادتهم تُستنفد بسهولة، فإن قدرتهم على مقاومة الإغراء والإلهاء سرعان ما تتلاشى؛ ولكن إذا كانوا يعتقدون أن القدرة على التحمل العقلي تغذي نفسها فإن قوة إرادتهم غير محدودة ولا يمكن استنفادها”.
ووجدت دراسة أخرى أجرتها الدكتورة زوي فرانسيس، أستاذة علم النفس بجامعة فريزر فالي، نتائج مماثلة بشكل لافت للنظر، حيث وجدت أن الأشخاص من ذوي “العقليات” غير المحدودة قادرون أكثر بكثير من غيرهم على الانضباط وتحقيق الأهداف التي يضعونها لأنفسهم.
تحديد الأهداف
لتقوية إرادتك عليك أن تضع هدفا معينا تريد تحقيقه، فوجود هدف محدد وواضح وفهم الدافع وراءه؛ يمكنهما أن يساعداك بشكل كبير على اكتساب الزخم والتركيز على التقدم في المدى الطويل. كما أن تقسيم هدف طويل المدى إلى أجزاء أصغر (أهداف فرعية) يمكن أن يساعد الناس على الشعور بالإنجاز عندما يكملون كل خطوة. مثلا إذا كنت مدخنا نهما وأردت أن تترك التدخين فبإمكانك وضع خطة تعتمد على تقليص عدد السجائر التي تدخنها كل يوم، على أن تتوقف تماما بعد 3 أشهر. وفق ما ذكرت منصة “ميديكال نيوز تودي” (medical news today).
تغيير الوضع
يتضمن هذا تغيير الظروف المحيطة بالهدف الذي تريد تحقيقه إذا كانت الظروف الحالية التي توجد فيها غير مناسبة، ويدخل في ذلك:
- تغيير المكان: بعض الأمكنة التي توجد فيها قد لا تكون مناسبة لتحقيق هدفك، مثلا إذا كان هدفك النجاح في اختبار ما فقد تكون المكتبة أفضل مكان للدراسة بدلا من البيت.
- تغيير البيئة الحالية: إذا كان تغيير الموقع غير ممكن، فقد تساعد بعض التعديلات الصغيرة على تحسين الموقع الحالي. على سبيل المثال، قد يقوم الشخص بترتيب مساحة العمل الخاصة به، أو تشغيل الموسيقى التي تساعده على التركيز في الدراسة أو العمل.
- الحد من عوامل التشتت: تساعد إزالة الأشياء المشتتة للانتباه عن خط نظر الشخص أو تفكيره في الحفاظ على تركيزه على الهدف الذي يسعى لتحقيقه.
- تحديد موعد نهائي للهدف: وضع موعد نهائي للهدف والالتزام به مع وعد نفسك بمكافأة مميزة إذا حققته سيساعدك كثيرا في تقوية إرادتك، مثلا، التوقف الكامل عن التدخين خلال 3 أشهر مع مكافأة برحلة سياحية ماتعة في بلد كنت دائما ترغب بزيارته.
- تركيز الانتباه ومراقبة التقدم: وتتضمن هذه الإستراتيجية تركيز الانتباه نحو المهمة أو الهدف الذي تريد تحقيقه، وعدم الانشغال بأي أمور أخرى غير ذات علاقة بالهدف. ولمراقبة تقدمك نحو الهدف ومدى الإنجاز الذي تحققه كل يوم، يمكنك استخدام دفتر يوميات تسجل فيه كل يوم مقدار التقدم الذي تحرزه.
وأخيرا، فإن قدرتنا على ضبط النفس والتحكم برغباتنا وغرائزنا هي الطريق الأمثل لبناء إرادة قوية لا تقهر أو كما يقول أفلاطون فإن “الانتصار الأول والأفضل هو قهر الذات”.