د. حليمة إبراهيم الفيلكاوي تكتب: المرأة والتدخين
إن المرأة نصف المجتمع وهي المسئولة عن إنجاب وتربية المجتمع كله ولها أكبر أثر على ابنائها في جميع مراحل حياته، فهي تنقل وتبث فيهم عاداتها وأفكارها وخبراتها خصائصها وسلوكها، فإذا كان التدخين عادة سيئة ومضرة للرجال فهي أكثر ضرراً وخطورة على المرأة والمجتمع ككل.
قديماً كانت الاعتبارات الاجتماعية لا تسمح بتدخين النساء مطلقاً، ولكن التسامح التي حظيت به عادة التدخين أدى إلى تغلغلها في حياتنا اليومية حتى أصبحت لكثرة شيوعها مقبولة اجتماعيا وهذا ما يزيد خطورتها وللأسف لقد ساد مفهوم خاطئ لدى البعض بأن التدخين يمثل وجها حضاريا جديدا ً عن الرقي والمكانة الاجتماعية ودليلا على المستوى الثقافي،
لهذا لاحظنا في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة التدخين بين كثير من الفتيات والنساء فى المقاهي والنوادي، أو المدارس أو الكليات أو الأماكن العامة!! ،وهي ظاهرة يشوبها الغموض طبعا، فتدخين المرأة هو ضد فطرتها التي تدفعها للحفاظ على جمالها، ويؤثر بشكل أكثر سلبية على المرأة لاختلاف طبيعتها الفسيولوجية عن الرجل . وقد تفشت هذه العادة حتى بين النساء والسيدات في مجتمعاتنا بدعوة التمدن والتقدم والرفعة الاجتماعية ولذلك برزت مغريات وراجت دعاية خاطئة بأنه يريح النفس، ويهدئ الأعصاب، ويساعد على قوة التركيز و تناسى أولئك البعض بأن هذا السلوك هو اتجاه خاطئ وعادة خطيرة فقد أثبتت البحوث الحديثة التي تنشرها المؤسسات الطبية المعنية بأمراض السرطان أن التدخين هو المسؤول الأول عن أمراض السرطان وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، والموت البطيء، وامراض الشرايين الدماغية مثل السكتة الدماغية، الخرف المبكر وأيضا الربو .و يؤثر التدخين على المرأة بشكل خاص لأنه يؤثر سلبا على ً انسداد المجري التنفسي المزمن. ووظيفة المبايض ويقلل فرص الإنجاب ويتسبب فى الإجهاض المتكرر والنزيف وتمزق المشيمة، والولادة المبكرة ونقص وزن الوليد بمعدل 200 جرام أقل من الطبيعي ويرفع نسبة وفاة المواليد ً إلى مثيلاتها من غير المدخنات وتصل المرأة المدخنة الى سن اليأس والشيخوخة مبكرا، ، والعديد من الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب والتوتر الدائم وتقلب المزاج بالمقارنة بغير المدخنات.
وتشير دراسات أخرى إلى أن نحو 25% من المدخنات يتوفين بسبب أمراض ناجمة عن التدخين وثلث هؤلاء يمتن دون 56 من أعمارهن، وفي مجتمع المدخنات يعد التدخين مسئولاً عن 40%, بل إن وزارة الصحة الأميركية كشفت في تقرير لها عن أن التدخين يقتل 165 ألف امرأة سنوياً.
دوافع ومبررات
وعن الدوافع والمبررات التي تدفع بالمرأة للتدخين ، فالبعض وخاصة المراهقات يرونه نوعا من الانفتاح وإثبات الذات ومظهر من مظاهر التحضر والعصرية ووسيلة لممارسة الحرية والاستقلالية، ولا شك أن هذه الفكرة تولدت جراء الانفتاح الغير منضبط على المجتمعات الأخرى من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومحاكاة المسلسلات التي تروج لممارسة التدخين وتظهـره على أنه ملجأ من الهموم والقلق.
كما أن تفشي التدخين وسط الآباء والشباب الذكور في البيوت يتيح فرصة للفتيات للتجربة بسهولة.
والبعض لجأن لهذه الآفة بسبب المشاكل الاجتماعية كالطلاق أو المشاكل الأسرية أو الفراغ أو الصحبة المدخنة.
ولهذا سألنا أنفسنا لماذا تدخن المرأة وما السبب الذي أوصلها الى هذا الطريق؟ سوف نتطرق الى نظريات لنفهم هذه الظاهرة بشكل صحيح:
أولاً: نظرية التعلم الاجتماعي ترى أن ظاهرة تدخين النساء هي نتيجة التقليد والمحاكاة والتعلم من خلال الملاحظة فلا شك أن تناول التدخين لأول مرة كان نتيجة تقليد للبيئة المحيطة ،قد تكون الأسرة من خلال تدخين الوالدين أو أحدهما أو الأصدقاء أو حتى مشاهير المجتمع . ولأن التدخين هو سلوك مكتسب وفقا لنظرية التعلم الاجتماعي وبذلك تكون قد قدمت تفسيرا لدوافع التدخين لدى النساء.
ثانياً: النظرية النسوية: هي نظرية تطالب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل المجالات!! فمع مطالباتها بالمساواة السياسية والاقتصادية نراها قد امتدت الى الحقوق الاجتماعية أيضا وتسعى الى إزالة كل أنواع التمييز بين الرجل والمرأة !! فهذه الأفكار كانت سببا لظهور تغييرات واضحة في سلوك المرأة أدى في نهاية الأمر لظهور التدخين بكل أنواعه بين الأوساط النسوية لإثبات المساواة التامة فيما بينهن وبين الرجال حتى الجلوس في المقاهي والكافيهات.
ثالثاً: نظرية الجماعة المرجعية في الجناح: هذه النظرية ترى أن للجماعة تأثير قوي على أفرادها لدرجة أن عضو الجماعة يتخلى عن سلوكه الفردي ويسير وفقا لسلوك الجماعة ؛فنجد الشخص داخل جماعته يفعل مثلهم ؛ فالفرد يفعل ذلك بهدف الحصول على حب وثقة الجماعة والمسيطر هنا فكرة العدوى الجماعية ومرحلة المراهقة هي أقوى المراحل العمرية التي يتمسك فيها الفرد بسلوك الجماعة .
هذه النظرية تفسر سلوك التدخين لدى النساء بسبب اختلاط المدخنة بجماعة مدخنين لهم تأثير قوي فتقوم بمحاكاة سلوكهم وتتناول الدخان أو الشيشة لتشعر بمزيد من الانتماء لتلك الجماعة ولا تبالي بآراء سائر المجتمع أو نظرته لسلوك التدخين وير جع ذلك لتأثرها بسلوكيات وأفكار الأصدقاء المدخنين ووقوعها تحت تأثيرهم.
تعليق عام على النظريات:
من خلال استعراضنا لتلك النظريات نستنتج أن بعض النساء تناولن التدخين وفقا لنظرية التعلم الاجتماعي بينما البعض الآخر يقبلن على التدخين رغبة لتحقيق المساواة مع الرجال وفقاً للنظرية النسوية. ومنهن من تأثرن بالتقليد الاجتماعي وأخريات شكلت نظرية التحليل النفسي تفسير لسلوك التدخين لديهن وعلى صعيد آخر قد يكون الضغوط الاجتماعية والبيئية سببا لسلوك التدخين بما يوافق تفسير نظرية الضغوط البيئية.
وفي الكويت:تبين ان 6,26 %من المدخنات تفتقدن رقابة الأسرة. أما عن العوامل الاجتماعية فإن غالبية المدخنات أكدن على وجود صديقات مدخنات أيضا، ولديهن ضعف ارادة وكذلك هروب من الواقع وعدم مبالاة بالصحة.
وعلى الرغم من تحرر المرأة وتوجهها نحو تقليد الرجل بهدف المساواة، إلا أننا نجدها دائما ما تتطلع لمعرفة نظرته لها وهل سيأخذ العلاقة معها على محمل الجد خاصة في حالة مشاركته تلك العادة السيئة في التدخين، أم ستكون مجرد نزوة تأخذ وقتها ويخرجها من حياته.
ففي دراسة حديثة عن نظرة الرجل للمرأة المدخنة، وجد أن أكثر من 80 بالمئة من الرجال ينظرون إلى المرأة المدخنة على أنها تفقد أنوثتها وجاذبيتها بممارستها لتلك العادة السيئة التي تجعلها تتشبه بالرجال، مؤكدين أن التدخين عدو الأنوثة، بالإضافة إلى أن الكثير من الرجال لا يفضلون رؤية المرأة وهي تدخن، ويرون أن التدخين ألدّ عدو لجمال المرأة لأنه يفقدها النعومة والرقة، خاصة إذا كانت المرأة مدخنة بطريقة شرهة.فقد أثبتت الدراسة أن التدخين يضر بجمال المرأة وانوثتها، وبالتالي فهي غير صالحة للزواج وللحياة الطويلة لأن التدخين من شأنه أن يدمر صحتها، كما أنها ستنقل هذه العادة إلى أبنائها في المستقبل ، فهي ليست قدوة صالحة، ووجد هؤلاء الرجال عدم وجود فرق بينهم وبين المرأة المدخنة.
كما أثبتت الدراسة أن نسبة المدخنات تزداد كلما اتجهت المرأة للعمل خارج منزلها، فهو لم يعد قاصراً على سن معينة، فقد انتشر بين العاملات وربات البيوت، الشابات والعجائز، المتزوجات والعازبات، مرجعة ذلك إلى رغبة المرأة في شعورها بالمساواة مع الرجل والانفتاح، واستقلالها من الناحية الاقتصادية بعيداً عن العائلة، مشيرة إلى أن الرجل ينظر إلى المرأة المدخنة على أنها خارجة عن المألوف، ولا تلتزم بالعادات والتقاليد التي نشأ وتربى عليها، بل وأحياناً ينظر إليها على أنها فريسة يسهل الوصول إليها، كما أنه يعدّ انفتاحاً زائداً عن الطبيعي، فهي تعطي انطباعا غير محمود، حيث تفسر تلك العادة على أنها لا تتناسب مع القيم والأخلاق الموجودة في المجتمع.
إن التدخين عادة سيئة سواء بالنسبة إلى الرجل أو المرأة، ، كما أن هناك العديد من الدراسات الطبية التي أثبتت أن المرأة المدخنة تزيد فرصها في الإجهاض أثناء الحمل، أو ربما تحدث تشوهات للجنين، بالإضافة إلى أنها تؤثر بشكل سلبي على صحة أبنائها عن طريق التدخين السلبي، وتؤثر على سلوك الأطفال فيما بعد عندما ينظرون إلى أمهم المدخنة ويريدون تقليدها، لذلك تكون قدوة غير حسنة، ناصحة الأم المدخنة بضرورة الإقلاع عن التدخين لأنها تزيد من استعداد ابنتها للتدخين، كما أنه لن يزيد المرأة جمالاً أو جاذبية.
هذا وأشار بحث اجتماعي إلى أن تدخين الأنثى هو فعل مثير جنسياً لكثير من الرجال في المجتمعات الشرقية، حيث وجد الباحثون أن طريقة تدخين الفتاة تعكس كثيراً من شخصيتها، الأمر الذي يساعد على انجذاب الرجل إليها عاطفياً وجنسياً، ولكن هذه العلاقة تكون قصيرة ومن باب التسلية والترفيه، لأن الرجل عندما يرغب في علاقة زوجية طويلة المدى لن يفكر في المرأة المدخنة، لأنه ينظر إليها على أنها متمردة غير مطيعة ترغب في المساواة معه، وهو يفضل المرأة التي تنفذ أوامره وفقاً لطبيعة الرجل الشرقي.
الحكم الشرعي للتدخين:
قال الله تعالى في كتابه الكريم: “… ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة..” وقال تعالى: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”. “التدخين محرم شرعاً”.
فقد يكون حرمة تدخين المرأة أغلظ من الرجل؛ وذلك لأنها قد تترتب في تدخينها عندما تكون حاملًا في قتل جنينها أو إصابته بأمراض عديدة وهو لا يزال جنينًا، أو قد يترتب على تدخينها ضرراً أكبر على أبنائها لأنها تتواجد معهم أكثر من الأب.
ولا يقتصر تدخين النساء على النظرة الدونية التي تلاحقها في كل مكان، بل الأمر قد يلوح لها بشبح العنوسة لأن العقلية العربية المحافظة لا تقبل بأي حال من الأحوال الارتباط بفتاة تدخن، حتى وإن قبلت فضغط العائلة وحديث الناس من أكبر العوائق التي تقود الشاب للتراجع والإحجام.
همسة:
عزيزتي المرأة لا تقلدي العالم الغربي
والتفتي الى جوهرك الذهبي
كفاك فخراً أن أوصى بك أعظم نبي
وكفاك عزاً أن أصلك عربي
د. حليمة إبراهيم الفيلكاوي
أستاذ مشارك كلية التربية الأساسية قسم علم النفس
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب