“ الجروح العاطفية لعقدة الأب”.. تبدأ بعد الطفولة وتؤثر في العلاقات المستقبلية
إذا كان والدك غائباً أو غير مرتبط بك عاطفياً فقد تعاني من التأثير السلبي لتلك العلاقة إلى أن تكبر
أولئك الذين يشعرون بالأمان ولديهم أسلوب ارتباط آمن في الطفولة يستمرون في التمتع بأسلوب ارتباط آمن كبالغين
“عقدة الأب” ليس لها تعريف دقيق، ومع ذلك صارت عبارة شائعة لكيفية تأثير العلاقة في مرحلة الطفولة على الفرد في مرحلة البلوغ، خاصة مع الأب الغائب أو غير العاطفي.
على الرغم من انتشارها، إلا أن “عقدة الأب” ليست مصطلحاً سريرياً أو اضطراباً معترف به من قبل التحديث الأخير للجمعية الأمريكية للطب النفسي للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية .
وفي تقرير نشره موقع (فري ويل مايند) للصحة النفسية، كشف أصول المصطلح، والنظرية النفسية التي يشير إليه، ونتائج بعض الدراسات البحثية حول تأثير عقدة الأب.
وختم ببعض النصائح لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل أبوية على البدء في التغلب عليها.يركز الأولاد في هذه الحالات على الأم، فيما يكون البحث عن “أب” محور اهتمام الفتيات .
من أين أتت “عقدة الأب”؟
في حين أنه ليس من الواضح بالضبط أين نشأ المصطلح؟ يبدو أنه نشأ من فكرة مجمع الأب، التي اقترحها سيغموند فرويد لأول مرة جزءًا من نظريته في التحليل النفسي.
ويصف عقدة الأب بالنبضات اللاواعية التي تحدث بسبب علاقة سلبية مع والد المرء، والتي ترتبط بالفكرة الأكثر شهرة لعقد أوديب.
قدم فرويد مجمع أوديب ليصف انجذاب الصبي الصغير لأمه ومشاعر المنافسة مع والده.
وبينما كان عمل فرويد في البداية يركّز فقط على الأولاد، اعتقد عالم النفس كارل يونغ، أن الفتيات يمكن أن يشعرن بالغيرة على والدهن من أي امرأة حتى أمهاتهن، وأُطلق على الظاهرة “مجمع إلكترا”.
وفقًا لنظرية فرويد للتطور النفسي الجنسي، تنشأ مجمعات أوديب وإلكترا بين سن 3 و5 سنوات، وإذا لم يتم حل العقدة في نهاية هذه المرحلة من التطور، فقد يكون الأطفال مرتبطين بشخص آخر ويكنّون له مشاعر تشبه تلك التي يشعرون بها تجاه آبائهم.
يركّز الأولاد في هذه الحالات على الأم، ويصير البحث عن “أب” محور اهتمام الفتيات، ما يؤدي في النهاية إلى صعوبات في العلاقات بين البالغين.
نظرية التعلّق
على الرغم من أن فكرة فرويد عن عقدة الأب نشأت في فهمه لتطور الأولاد، إلا أن المفهوم الأوسع يؤدي إلى نظرية التعلّق، والتي تركّز على تأثير العلاقات بين الناس، وخاصة الأطفال ومقدمي الرعاية لهم.
أفاد مُنظِّر التعلّق الأول، جون بولبي، أن أسلوب التعلّق في مرحلة الطفولة يؤثر بشكل عميق في أنماط التعلّق لدى البالغين.
ونتيجة لذلك، فإن أولئك الذين يشعرون بالأمان ولديهم أسلوب ارتباط آمن في الطفولة يستمرون في التمتع بأسلوب ارتباط آمن عند البلوغ.
ومن الأمور التي قد تنتج عن عقدة الأب ما يأتي:
- البحث عن شخصية حامية تكون كبيرة في السن من الذكور، وذلك لملء الفراغ العاطفي الذي خلفه عدم وجود الوالد الحقيقي.
- قد يؤدي هذا إلى اختيار شركاء أو أصدقاء غير جيدين.
من ناحية أخرى، إذا كان الفرد مرتبطاً بشكل غير آمن عندما كان طفلاً، فسيطور أحد أنماط التعلّق غير الآمن الثلاثة في مرحلة البلوغ:
- قلق-منشغل: أولئك الذين لديهم أسلوب ارتباط قلق يريدون أن يكونوا قريبين من الآخرين، لكنهم قلقون من أن شريكهم لن يكون موجودًا عندما يحتاجون إليه، هذا يمكن أن يجعلهم متشبثين ومتطلبين.
- متجنب-مخيف: أولئك الذين لديهم أسلوب ارتباط مخيف، يشكلون علاقات عاطفية حميمة، لكنهم يواجهون صعوبة في الوثوق بشركائهم لأنهم يعتقدون أنهم سيتعرضون للأذى، هذا ما يجعلهم بعيدين.
- الرافض-تجنب: أولئك الذين لديهم أسلوب ارتباط رافض يتجنبون تكوين علاقات وثيقة والدخول في تحديات عاطفية.
وتابع التقرير، في حين يثق ذوو الارتباط الآمن أن الآخرين سيكونون موجودين من أجلهم عندما يحتاجون إليهم، فإن المرتبطين بشكل غير آمن يحاولون إما تكوين علاقات يشوبها القلق من أن الأشخاص الذين يهتمون بهم، أو يفضلون عدم تطوير علاقات وثيقة على الإطلاق.
وتابع التقرير، في حين يثق ذوو الارتباط الآمن أن الآخرين سيكونون موجودين من أجلهم عندما يحتاجون إليهم، فإن المرتبطين بشكل غير آمن يحاولون إما تكوين علاقات يشوبها القلق من أن الأشخاص الذين يهتمون بهم، أو يفضلون عدم تطوير علاقات وثيقة على الإطلاق.
وأفاد الرجال الذين نشأوا مع أب غائب أو بعيد عاطفيًا عن مجموعة من العقد، بما في ذلك عدم وجود نموذج يحتذى به، ومشاعر عدم الكفاءة مثل الافتقار إلى الثقة بالنفس واحترام الذات، والسعي في مرحلة البلوغ إلى البحث عن بدائل للأب.
يمكن أن تؤثر عقدة الأب في أي شخص يحمل جروحاً نفسية من علاقته مع والده إلى مرحلة البلوغ.
ويرى التقرير أن “وصم المرأة التي عاشت مشاكل في علاقتها التكوينية مع والدها، أمر غير لائق، بل الخطأ في النهاية يقع على عاتق الأب الذي فشل في تلبية احتياجاتها”.
ماذا تفعل؟
إذا كان والدك غائبًا أو غير مرتبط بك عاطفيًا، فقد تعاني من التأثير السلبي لتلك العلاقة إلى أن تكبر، ولحسن الحظ، وفقًا لمُعالجة العلاقات كايتلين كانتور، هناك طرائق للتغلب على هذه التحديات، بدءًا من إدراك أن والدك هو المسؤول عن مشاكلك، وليس أنت.
وفيما يلي الخطوات التي توصي بها كانتور:
- تعرف
تشرح كانتور أنه عندما لا يتم تلبية احتياجات الأطفال، فإنهم يبدؤون في الاعتقاد بأنهم لا يستحقون الحب أو الاهتمام أو المودة، وهو الأمر الذي يتردد صداه في مرحلة البلوغ.
ولكن من خلال “مزيج من التعليم والوعي”، يمكنك أن تتعلم التعرف إلى مدى تأثير علاقتك مع والدك فيك، وكيف يمكنك “إعادة تأكيد المعتقدات القديمة” من خلال إعادة تمثيل أنماط الطفولة في علاقاتك الحالية؟
- احزن
توصي المُعالجة بأن تعطي لنفسك الفرصة لتشعر بألم العلاقة السلبية مع والدك وتحزن على ما لم يكن لديك في حياتك، وتقول إن الشفاء من هذا يحتاج إلى الغضب ثم الحزن.
- تعلم
بمجرد التعرف إلى كيفية تأثير المعتقدات التي كونتها خلال الطفولة في علاقاتك الحالية، يمكنك استبدالها بمعتقدات جديدة أكثر صحة.
وتلاحظ كانتور أن جزءاً من هذا يتضمن إدراك أنه عندما تكون في علاقة مع شخص بعيد عاطفياً أو لا يعاملك بالطريقة التي تريد أن تُعامل بها، “فهذه ليست مشكلة بحاجة إلى حل”.
وبعد الاعتراف بذلك، يمكنك البدء في تعلم كيفية التواصل مع نوع شريك الحياة الذي تريده بدلًا من الاستمرار في العلاقات التي تعيد تأكيد المعتقدات القديمة.
ويخلص التقرير، إلى أن هذه الخطوات يمكن أن تساعدك على البدء في التعافي من “عقدة الأب”، لكن كانتور تحذّر، “إنها عملية معمقة وليست بالضرورة عملية سهلة”، نتيجة لذلك، قد يكون من المفيد رؤية استشاري أو معالج لضمان أفضل النتائج عندما تواجه عقدة الأب وتتجاوزها.
المصدر : وكالات