الشيخة حصة الصباح تكتب : حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق !
” إن المشكلات التي يئن منها المجتمع الدولي هى نتيجة صمت العالم المتحضر، ولامبالاته بما يلحق الفقراء والبائسين، ومن لا حول لهم ولا قوة، من تجاوزات الطغاة والظلمة والمتغطرسين والمستكبرين في الأرض، وأن رسالة الأديان لن تبلغ هدفها ما لم تتحد، وما لم يتحد أهلها، وما لم يكونوا قوة تعمل على تنقية الشعور الديني من الضغائن والأحقاد…” بهذه الكلمات البليغة فى مؤتمر زعماء الأديان فى دورته السابعة والذى انعقد فى العاصمة الكازاخية نور سلطان أوجز فضيلة الدكتور / أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين أزمة غياب القيم الأخلاقية الإنسانية وهى السبب الحقيقى المباشر لما يواجهه المجتمع الدولى من تهديدات تمس الأمن والسلام الدوليين ، وقد شارك فى مؤتمر زعماء الأديان العديد من قيادات وزعماء الأديان العالمية والتقليدية وعلى رأسهم البابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية والذى كان قد اجتمع بالدكتور / أحمد الطيب فى ٤ فبراير ٢٠١٩ فى أبو ظبى لتوقيع الوثيقة التاريخية للأخوة الإنسانية برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة ،هذه الوثيقة كانت بمثابة ثمرة الصداقة والأخوة التى تجمع شيخ الأزهر بالبابا فرنسيس كمسؤولية تاريخية وأمانة حمل الرسالة الإنسانية للأجيال للقادمة .
وقد اعتمد مؤتمر زعماء الأديان وثيقة الأخوة الإنسانية والتى احتوت على بنود عظيمة فى قضايا حقوق الإنسان من أجل تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة الإنسانية الواحدة .
والحقيقة أننى لم ولن أتوقف عن الكتابة والحديث فيما يتعلق بالتعايش والاحترام المتبادل بين جميع البشر على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم وثقافاتهم وحرياتهم التى كفلتها الأديان السماوية والدساتير القانونية العريقة منذ القدم ، وأن التطرف بكافة صوره ما إلا انعكاس لانحراف أنفس خبيثة عن الفطرة الإنسانية السوية، وكم أسعدنى هذا المؤتمر العظيم وخطابه الحضارى الراقى من الحضور الكريم وإن كنا نرجوا أن يتم تفعيل مخرجاته على أرض الواقع رغم أنف الطغاة والمستكبرين فى الأرض.
والشئ بالشئ يُذكر فإن هذا المؤتمر جاء موافقًا لحدثٍ آخر محليًا داخل الكويت وهو دعوة بعض مرشحى مجلس الأمة باقى إخوانهم المرشحين للتوقيع على “وثيقة القيم” والتى لن أناقش بنودها لأن ما فيها من قيم تتناسب و طبيعة مجتمعنا المحافظ بالفعل والتى لا تحتاج لتعريف ولكن تحتاج الي آلية تفعيل لا تنتهك خصوصية الافراد فيما لا يضر الشأن العام .
و لدى بعض الأسئلة المشروعة حول التطبيق وليس النظرية ، فما أسهل التنظير وأصعب التطبيق فى زمننا هذا الذى اختلطت فيه الأمور ، والسؤال هل جميع بنود هذه الوثيقة تتفق وأحكام الدستور الكويتى العريق ؟ كيف يتم تفعيل بنود هذه الوثيقة فى مجتمع يضم مزيج من الأديان والمذاهب والثقافات المختلفة فى إطار الاحترام المتبادل الذى نتحدث عنه والحريات المشروعة ؟ وهل التطبيق المباشر لبنود هذه الوثيقة لضبط بعض التجاوزات سيصلح من المجتمع أم يعقد الأمور ؟ .
الحقيقة أننا جميعًا نعتز بقيمنا وتقاليدنا التى تربينا عليها ونرفض ثقافة التغريب المستوردة ، ومع منع الاختلاط بين الجنسين فقط فى سن مبكرة حتى ينشأ أطفالنا أسوياء ، ولكن أؤكد مرارًا وتكرارًا أن دور الأسرة والرقابة الأسرية على الأبناء هى أساس إصلاح المجتمع، ويأتى دور المدرسة والدولة بعدها ، وأنا مع فرض القوانين التى تواجه الانحرافات الأخلاقية، ولكن أرفض استغلال عواطف الناس الدينية والإتجار بها لمصالح حزبية انتخابية حفاظًا على نزاهة العملية الانتخابية والمكتسبات الديموقراطية لوطننا الحبيب وأيضًا حفاظًا على الحريات العامة من تسلط متطرف يسئ استخدام بنود الوثيقة اتباعًا لهوى فى نفسه .
نتمنى كل الخير والأمن والسلام للعالم أجمع ، ولوطننا الحبيب كل الخير والأمان فى اختيار من يحارب الفساد وسرقة المال العام ،والحفاظ على مكتسبات الآباء والأجداد من عبث العابثين ، حفظنا الله وإياكم من كل سوء
… بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح