كتاب أكاديميا

فاطمة الصفارتكتبك اللوحةُ قد أُعمِيَت

اللوحةُ قد أُعمِيَت

يتميز كل فرد منا بخصال ذهبية تميزه عن غيره من البشر بدرجات ونسب متباينة تجعل من الشخص جرماً سماوياً ينطوي فيه العالم الأكبر. ميزاتٌ جماليةٌ باعثة للقدرات المكنونة التي من الأكيد أن تأخذ بالمرء إلى أسمى درجات التقدم على المستوى الشخصي في كافة المعايير والأصعدة. سمات متمايزة قد تُرسَم على شكل لوحة خلابة ذات ألوان جاذبة للأنفس والأرواح، للأنظار قبل الأسماع، وللقلوب بعد العقول. لوحةٌ نيّرة تُبصر تارةً في تدرجات الحياة المغايرة تَبَصُّراً رزيناً وتُعمى في حالاتٍ فريدة تارةً أخرى.

إن اللوحة المتمثلة في السمات الأخلاقية والقدرات الجليلة تُبصرمضيئةً مُشعةً عند تطبيق هذه الفضائل الأخلاقية على أرض الواقع دون تسويف أو كلل، عند تظفير شتى الجهود والمحاولات في سبيل العمل بها في مختلف الزوايا اليسيرة والظروف العصيبة، وعند الحفاظ عليها من عبث أيادي هوى النفس في مرحلة ما من صراع النفس البشرية الداخلية بين أفكارها المُخيبة للظنون والآمال في نوادر الأحيان. ومن جانب آخر، قد تُصبح هذه اللوحة كفيفة عمياء عند تغير الحالة النفسية للإنسان من غضب وأنانية وكراهية مُستبدلة الميزات إلى أخلاق نافرة للقريب والبعيد. كذلك الإنسان حينما يرى أن تغيير سلوكياته الحميدة أو صفاته اللطيفة مرتبط بتغير الظروف والعوامل المحيطة.

إن هذه الحياة الدنيا بفطرتها مُتغيرة متجددة من منطلق أن الثابت الوحيد في عالم الثوابت هو التغيير. فمن البديهيات تبدل أحوال الإنسان بين الحين والآخر، أفكاره، مشاعره، سلوكياته وطموحاته، وأخيراً توجهاته. لكن من غير البديهي أن تُستبدل هذه الأحوال إلى أوضاع تذمها شتى المعايير المنطقية والمقاييس العقلية وإن كانت نظرة المرء نسبية اتجاه تغييره، فهناك من يرى أن تغييره صالحاً عند فساده والعكس. هنا يكمن التساؤل فيما لو كان الضابط عند حدوث تغيير ما عائد إلى نظرة الشخص نفسه إزاء أفعاله أم النظرة العامة المحكومة بعوامل أخلاقية راسخة. فإنْ اعتمد الإنسان على نظرته الشخصية فقط دون الرجوع إلى ضوابط تحكمه لأصبح تابعاً لأهواء نفسه وما تطلبه، أما إذا لَزِمَتْ أقاويله وأفكاره المحركة لأفعاله حدوداً معينة مُكترثاً فيها جوانب حياتية عديدة لَقوّمَ خلجات لُبّه ساعياً إلى العطاء اللامنضوب والبذل غيرالمحدود.

هنا قد يتساءل القارئ في علاقة عنوان المقال بمحوره، فما هي اللوحة المقصودة وكيف يمكن تمثيلها بسمات الأعمى الذي لا يبصر من الحياة سوى خطوات مُهجته وما يخطر في عقله. إن الإجابة تكمن في أن الشمائل الأخلاقية المغروسة في بذرة أي إنسان خَيَّرْ قد تصل إلى صورة اللوحة الفاتنة الجاذبة للروح والوجدان والقلب والعقل، لوحة نيّرة مُبصرة لجميع كَنَفْ الحياة على تباين زواياها وظروفها. لوحة معروضة في معرض اللوحات السنوي كأغلى وأبهى لوحة غير قابلة للبيع. من جانب آخر، تصبح هذه اللوحة عمياء عندما يسمح الإنسان للظروف أن تمس جانبه الآسر والأخّاذ بغض النظر عن الأسباب والمبررات بشكل سلبي، عندما يصبح مُسيّراً لما تطلبه نفسه غير مكترثاً للحدود الأخلاقية، وأخيراً عندما يُظهر جانبه الحسن على أحداث وأشخاص ويخفيها على آخرين، هنا تُباع اللوحة في المزاد بأرخص الأثمان!
وأخيراً إليكم أبياتي المكتوبة بقلبي قبل قلمي:
تدومُ الخصالُ إن نوى صاحبها البقاء وتُمزَج بالخيرِ مالم يسوءُ به المطاف

والظَّفْر كلَّ الظَّفرِ عند منازعةِ ما يشاء كالزَورقِ داحراً بصرامتهِ العِصاف

إن بهاءَ الدنيا يُعرَب بمزيجها الخَلداء في لوحةٍ مَقشوبةٍ بألوانها الصفصاف

فكنْ إنساناً ذا جأشٍ يُطابُ به النّكباء لا يَعقبُ بهواهُ صروفَ الدّهرِ الأسداف

بقلم/ فاطمة الصفار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock