الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح تكتب إنجازات تحكى قصة العبقرية والإخلاص والإنسانية …
يقف الزمن إجلالًا واحترامًا فى هيبةٍ ووقار ونحن نستقبل الذكرى الأولى لرحيل حضرة صاحب السمو المغفور له بإذن الله الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الأمير الخامس عشر لدولة الكويت طيب الله ثراه وهى الذكرى التى توافق ال٢٩ من شهر سبتمبر وكأن مشيئة الله أرادت أن يكون شهر سبتمبر هو شهر الإنسانية والذى شهد تكريم سمو الأمير بلقب “قائد إنسانى” وذلك فى ٩ سبتمبر ٢٠١٤ وهو لقب فريد تم تخصيصه من منظمة الأمم المتحدة للأمير الوالد سمو الشيخ صباح الأحمد رحمه الله ، وهو أيضا الشهر الذى تم فيه تكريم سموه من الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بوسام الاستحقاق العسكرى برتبة قائد أعلى فى حفل أقيم خصيصًا فى البيت الأبيض فى ١٨ سبتمبر ٢٠١٨ وهو أرفع الأوسمة الأمريكية و لا يُمنح إلا نادرا فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ولقادة الدول الذين أثروا السياسة الدولية بزخم جهودهم العظيمة لحل النزاعات وإرساء قيم السلام والأمن الإقليمى والدولى ، وهو نفس الشهر الذى رحل فيه سموه عن عالمنا الفانى لتبقى أعماله وإنجازاته تحكى قصة الإخلاص والوفاء والعبقرية فى أبهى صورها لما قدمه سمو الأمير الوالد من عطاء إنسانى غير محدود لوطنه وللعالم أجمع .
وُلد سمو الشيخ صباح الأحمد فى ١٦ يونيو ١٩٢٩ وهو الإبن الرابع لسمو الشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر لدولة الكويت ، وقد تلقى تعليمه فى المدرسة المباركية ثم ابتعث للخارج لاستكمال تعليمه وقد ظهر نبوغه فى سن مبكرة حتى تم تعيينه فى عام ١٩٥٤ عضوا فى اللجنة التنفيذية العليا لمتابعة الدوائر الحكومية والتخطيط لها ومتابعة التنفيذ ، وفى عام ١٩٥٥ تولى سموه رئاسة الشؤون الاجتماعية والعمل لتنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، وفى عام ١٩٥٦ أبدى اهتمامًا عاليًا بالفنون والتراث حيث أنشأ أول مركز للفنون الشعبية ، وفى عام ١٩٥٧ تولى رئاسة دائرة المطبوعات والنشر حيث أحدث سموه طفرةً فى الصحافة والأدب بعد إنشاء المطبعة الحكومية وإصدار جريدة “الكويت اليوم” ومجلة “العربى” وأمر بإنشاء لجنة خاصة مهمتها كتابة تاريخ الكويت ، وقد اهتم سموه بإحياء التراث العربى وذلك بإعادة طباعة ونشر الكتب والمخطوطات القديمة .
بعد استقلال الكويت عام ١٩٦١ تم اختيار سموه فى اللجنة التأسيسية لوضع أول دستور للكويت وتم اختياره وزيرًا للإرشاد والأنباء ( الإعلام) وذلك فى أول تشكيل وزارى للكويت الدستورية بعد الاستقلال ، ونظرًا لعبقريته ونبوغه وكفاءته فى المناصب التى تقلدها سموه تولى منصب وزارة الخارجية وهو أول من رفع علم الكويت فى مبنى الأمم المتحدة حينما تم قبول الكويت عضوًا فى المنظمة الدولية فى مايو ١٩٦٣ ، ومن هذا التاريخ بدأ سموه مسيرة طويلة من العمل الديبلوماسى الشاق ولمدة أربعة عقود حتى منحه المجتمع الدولى لقب شيخ الديبلوماسية وعميدها والمقال لا يتسع حقيقةً لما قدمه للعالم أجمع من جهود جليلة لحل النزاعات بلا كلل أو ملل ، وكان له الدور الأكبر فى لم الشمل اليمنى بين الشمال والجنوب وذلك فى مطلع السبعينيات والتقريب بين سلطنة عمان واليمن عام ١٩٨٠ ، والدور الأبرز بعد الغزو العراقي الصدامى الغاشم للكويت أغسطس ١٩٩٠ ، والذى كان لسابق جهوده وأعماله الفضل فى وقوف العالم أجمع مع حق الكويت فى دحر هذا العدوان العراقي الصدامى الخسيس وذلك ردًا للجميل والفضل الذى كانت ولا تزال تقدمه الكويت الحبيبة للجميع بلا مقابل ، وقد تكلل جهد سمو الشيخ صباح الأحمد رحمه الله وذلك بفضل الله تعالى بتطهير تراب الوطن من دنس الاحتلال ، وبعد تاريخ حافل ولمدة ٤٠ عام من العطاء الديبلوماسى وبالتحديد عام ٢٠٠٣ تولى سموه رئاسة مجلس الوزراء لاستكمال مسيرة العطاء فى الداخل وأولى اهتمامًا كبيرًا بالشباب والمرأة والطفل وذوى الاحتياجات الخاصة حيث اهتم سموه بدعم وتمويل المشروعات الصغيرة للشباب وفتح فرص العمل كما قام سموه عام ٢٠٠٥بتعيين د. معصومة المبارك أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت فى منصب وزير التخطيط ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية كأول إمرأة فى تاريخ الكويت تتولى منصب وزارى .
وفى ٢٩ يناير ٢٠٠٦ تولى حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مسند الإمارة والتى كانت بداية عهد جديد فى كافة المجالات اقتصاديًا وسياسيًا وحقوقيًا واجتماعيًا ، حيث منح سموه كافة الحقوق السياسية للمرأة ولأول مرة فى تاريخ الكويت وذلك بمنحها حق التصويت ودخول انتخابات المجلس البلدى ومجلس الأمة ، كما شهد عهده زيادة هامش الحريات السياسية والديموقراطية بما لا يضر بالصالح العام للمجتمع الكويتى ، كما أحدث سموه طفرة اقتصادية تمثلت فى إنجازات البنية التحتية فى إطار خطة التنمية الاقتصادية الشاملة ” رؤية ٢٠٣٥” وإنشاء مدينة صباح الأحمد كأول مدينة ينفذها القطاع الخاص ، ولحرص سموه على أن لا يقتصر العطاء الإنسانى على الداخل فقط فقد شهد عهده تنظيم الكويت فى يناير عام ٢٠٠٩ لمؤتمر ” القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية العربية ” والتى شهدت مبادرة سمو الشيخ صباح لإنشاء صندوق لدعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأس مال قدره ٢ مليار دولار ساهمت فيه الكويت ب٥٠٠ مليون دولار ، ولن ينسى العالم موقف سموه بتنظيم الكويت للمؤتمر الدولى للمانحين لدعم اللاجئين السوريين فى الدول المجاورة لسوريا ، وكذلك موقفه الإنسانى النبيل بعقد مؤتمر ” إعادة إعمار العراق ” فى فبراير ٢٠١٨ والذى نتج عنه المساهمة بمبلغ ٣٠ مليار دولار .
إن الحديث عن المغفور له بإذن الله الأمير الوالد حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه حديث لا بداية له ولا نهاية ولا حصر لما تركه لنا من إرث عظيم وبحر يتدفق بأمواج من العطاء والإخلاص والإنسانية ، ولا نملك فى حضرة الذكرى الأولى لرحيله إلا أن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع مغفرته ورحمته وأن يجازيه عنا خير الجزاء ، وأن يلهمنا الله الصبر والتوفيق لنكمل مسيرة العطاء والعمل الإنسانى ، فما عندنا ينفذ وما عند الله باقٍ
بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح