سوسن إبراهيم تكتب :مواقِع التواصُل الاجتماعي.. نعمة أم نقمة؟
مواقِع التواصُل الاجتماعي.. نعمة أم نقمة؟
مَن منِّا يَجهلُ أهميَّة مواقع التواصُل الاجتماعي اليوم؟ فأغلبُنا يَمْلِك حِسابًا واحدًا _على الأقل_ على أحد هذه المواقع إن لم يكُن يَمْلِك حسابات مُتعدّدة على كلِ موقعٍ على حدٍّ. فموقع مثل فيسبوك وتويتر وتيك توك وغيرهم الكثير تجاوز عَدد مُستخدِميها اليوم إلى الملايين. فانتقلت من مواقعٍ للتواصلِ في أوقاتِ الفراغ، إلى هوَس وحاجة مُسْتَعْصِيَّة تستقطب عقول الشباب والمُراهقين والأطفال على حدٍّ سَواء.
لِيبدأ العُلماء بدراسةِ هذه الظاهرة المُثيرة للاهتمام عِلميًّا، فخرجت دراسات تُؤكد تأثير الأجهزة النقّالة والإنترنت وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي في التركيب العقلي والنفسي للمُستخدم. بل ظهرت مُصطلحات طِبية تُصنّف بعض الأعراض المرَضية وتربُطها بإدمان مواقع التواصل الاجتماعي كمُتلازمة النوموفوبيا.
بالحقيقةِ لا نُنكر فوائد وإيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي التي وفّرتها للجمهورِ المُستخدم كالمُتعةِ والتواصل الاجتماعي والمعرفة والآن مع جائحة كورونا وفّرت طريقة ناجعة لاجتماع الأحبة والأصدقاء في ظِلّ الحجرِ والبُعد القسري الذي عانى منه العالمُ اليوم.
بل لقد ساهمت بشكلٍ ضخم سِياسيًّا حيثُ كان لها دورٌ عظيم في الربيع العربي، وخاصة موقع فيسبوك، الذي نشّطَ عليه الشباب ليُناقشوا قضاياهم ومشاكلهم بل وليعترضوا على كل ما يتنافى مع إنسانيتهم في تعامُل حكوماتِهم معهُم وقد بدأت بالفعل أُولى الثورات العربية بسبب امتعاض الشباب على فيسبوك في تُونس عام ٢٠١٠ على خلفيةِ إضرام الشاب بوعزيزي النار بنفسه.
حتى الآن تُشكّل مواقع التواصل أداة فعّالة ومُهِمة في تشكيلِ الرأي العام في أي مُجتمع. فتراهُ يَنشط لقضايا الشرف الناتجة عن المجتمعات الأبويّة والذكُورية التي تقمع المرأة وتضطهدها. أو قضايا التعنيف المنزلي التي تزايدت بعد جائحة كورونا والحجر الصحي نتيجة الغلق الشامل في بعض المناطق هنا وهناك، مما استدعى إنشاء علامة جديدة تُستخدم في حالاتِ العُنف والتي تتمثل بغلق قبضةِ اليد بطريقة مُعيّنة لتوصيلِ رسائل خفية تحمي المرأة والطفل من أي تهديد أو خطر.
ولكنَّ الآثار النفسيَّة لهذه المواقع كثيرة، كالإدمان حيث يُعتبر الإدمان حالة مرَضيّة سُلوكيّة تعني الحاجة المُلِحّة لممارسة فعل مُعيّن، كتصفح مواقع التواصُل الاجتماعي باستمرار بلا هدف أو غرض مُحدد. وهذا الإدمان قد يصل بالفرد إلى حالات من الاكتئاب والقلق، بل وفقًا لدراسات علمية أُجريت أفادت أن الاستخدام المفرط لمواقَع التواصُل يعمل على تغيير تركيبة الدماغ.
والمُفارقة هنا أن مواقع التواصل الاجتماعي تُسبب العُزلة والوحدة وحتى الاكتئاب على النقيض من غرض ابتكارها وهي الانفتاح والاختلاط وتكوين علاقات اجتماعية صحيّة. بل من آثارها النفسية المُؤلمة والعويصة أيضًا التنمر الإلكتروني Cyberbullying، فمُدمن الهاتف المَحمُول ومواقع التواصل الاجتماعي يصل في أحايين كثيرة إلى التنمر على الآخرين مستفيدًا من الحاجز الفاصل في الفضاءِ السيبراني.
هذه الأزمة السلُوكية والأخلاقيّة التي انتشرت كالنارِ في الهشيم مع انتشار مواقع التواصل أدّت إلى جعل الفضاء السيبراني مكانًا خَطِرًا على نفسية وعقلية المُستخدمين ووسيلة لأصحابِ القلوبِ المريضة للقذفِ وَالسَّبّ والاستهزاءِ بلا رادع ولا مانع.
ولِعلاج إدمان مواقع التواصل الاجتماعي _ويُمكِنُنا اعتماد مبدأ وداوها بالتي هي الداءُ_ فقد استُحدِثَت برامج ومواقع مُتَخَصِّصَة تهتم بغرض العلاج الرقمي أو التداوي من السموم الرقمية digital detox، والتي تعمل على التحكمِ بعددِ ساعاتِ استخدام مواقع التواصل والحد من الاستغراقِ بها كي تُحرر المُستخدم من براثن تلك المواقع التي تعزل وتُقصي الفرد عن الحياة الاجتماعية الصحيّة.
ولأن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي حقيقة لا شك بأضرارها أصبح من المُلاحظ أن هناك وعي مُرتفع وكبير فيما يتعلق بهذه القضية المُعاصِرة، فاهتمّ الكُتّاب بتناول هذه المشكلة بمقالاتهم ومُؤلفاتهم وانحازت ريشة الكاريكاتير والفنَّان لتصوير الأزمة المُعاصِرة التي تُضيع الوقت وتقتُل العلاقات وتهدِم النفس. كما بادر المُختصين والمتعلمين بدراسة هذه الظاهرة لِتُعنون أهم دراساتهم وَأُطْرُوحَاتهمْ القَيّمة.
وهذا ما نحتاجهُ اليوم، الوعي بحقيقةِ إدمان مواقع التواصل الاجتماعي والعمل على حجمِ استهلاكنا لهذا الاستخدام المُفرِط والمُؤذي للحفاظ على عقلياتنا ونفسياتنا وحتى علاقاتنا الاجتماعية التي بدأت تتدهور نتيجة انغماسنا بهذه المواقع. بدلًا من استخدام هذه المنصات باعتدال وحِكمة استخدمتنا الأخيرة لتحقيق غايات وأهداف القائمين عليها حيثُ وبأيدينا حُوّلنا نِعمة الإنترنت إلى نِقمة تأكُل أهم لحظات حياتنا ونحنُ لا نشعُر.
سوسن إبراهيم