دراسة تربوية: الوزارة غير جادة في تطوير التعليم … مع غياب التخطيط والتنفيذ الصحيح
كشفت دراسة علمية حديثة، النقاب عن أسباب تعثر مشاريع تطوير التعليم في وزارة التربية، وأهمها ضعف ممارسات التخطيط للمشاريع التطويرية، وانعدام ثقة مديري المدارس بالمشاريع التي تطرحها الوزارة، وفق ما كشفته عينة من المديرين، الذين أكدوا أن الوزارة تتبع أسلوباً إدارياً يستبعد مشاركتهم أو استشارتهم، حول ما يتم من سياسات وإجراءات تطويرية.
وبيّنت الدراسة التي أعدها الخبير في قيادة التغيير والتطوير في المؤسسات التعليمية الدكتور محمد الشريكة، بعنوان «مديرو المدارس الثانوية في دولة الكويت كقادة تغيير»، ونشرت في مجلة محكمة، مصنفة ضمن أفضل المجلات في مجال التربية (Q1)، أن الوزارة غير جادة وأن معظم المشاريع لا تخطط ولا تنفذ بطريقة صحيحة، حيث كشفت الدراسة أن جميع المشاركين لم يتم تمكينهم من إبداء آرائهم حول ما يطرح من مشاريع.
وتمحورت الدراسة حول سؤالين رئيسيين، الأول، تناول آراء مديري المدارس الثانوية حول دورهم كقادة للتغيير والتطوير المدرسي، وركز السؤال الثاني، على نوع الدعم المطلوب لتمكين مديري المدارس، من أداء دورهم المفترض كقادة للتغيير في مدارسهم.
وركزت الدراسة في مضامينها على رؤية الكويت الجديدة 2035، وكيف يمكن لمديري المدارس الإسهام في تحقيق أهداف هذه الرؤية عن طريق تفاعلهم مع مشاريع تطوير التعليم، آخذة بالاعتبار إجماع الباحثين التربويين على أهمية وحيوية دور مدير المدرسة في الارتقاء بالأداء المدرسي، وأنهم يمتلكون تأثيراً مباشراً على عمليات التطوير والتغيير.
وجاءت النتائج على نحو مخيب للآمال، حيث صرح معظم المشاركين بأنهم يعانون ضغوطاً كبيرة من جراء الفلسفة الإدارية التي يتبعها المسؤولون في وزارة التربية، كاشفة أن آراء المشاركين تشير إلى خطورة الإستراتيجية المتبعة في تخطيط المشاريع التربوية، وتفسر بعض الجوانب التي تسبب فشل مشاريع تطوير التعليم.
وطالب المشاركون في الدراسة بمزيد من الحرية الإدارية والتنظيمية، ليتمكنوا من أداء دورهم الطبيعي كقادة لمدارسهم، منتقدين مركزية الوزارة بشدة. وأشار بعضهم أن التحدي قائم بين أهل الاختصاص وغير المختصين، وهو ما يسبب تنازعاً إدارياً وتنظيمياً داخل الوزارة نفسها.
وكشفت الدراسة عن إصرار عدد كبير من المشاركين، على أن الوزارة تنظر لهم كإداريين لا تربويين، وهو ما يخالف كل التوجهات العالمية في مجال التربية.
وبناء على عينة الدراسة، فقد حدد المديرون التحديات التي تمثلها مثل تلك المشاريع التطويرية، منها أن الهيكل التنظيمي للمدرسة لا يواكب متطلبات عصر اقتصاد المعرفة وثورة المعلومات، وفشل مشروع الإدارة المدرسية المطورة، والذي لم تتمكن الوزارة من إقناع الجهات الرقابية بأهميته، لإيجاد وظائف فنية مساندة تتطلبها طبيعة وأدوار المدرسة الحديثة، رغم الإنفاق عليه.
وحذّرت الدراسة من الاستمرار في ذات الأسلوب في تخطيط المشاريع التطويرية وتنفيذها، كاشفة أن مثل هذه الاجتهادات غير الموفقة لن تحقق أي ارتقاء حقيقي في المنظومة التعليمية، وأن الاستمرار بذات الأخطاء يسبب فشل جميع المشاريع التطويرية.
وأوضحت الدراسة أهمية توظيف التكنولوجيا في تعزيز مشاركة المعنيين من العاملين في الميدان التربوي وتحقيق مشاركتهم الفعالة، وتعرّف آرائهم ووجهات نظرهم واحتياجاتهم الحقيقية.
وبالعودة للسؤال الرئيس الثاني في الدراسة، كشف المشاركون أن أي خطة تطويرية يجب ألا تغفل المتطلبات الأساسية للميدان التربوي، من أجل ضمان الحد الأدنى من تحقيق الأهداف المرسومة.
ورأى مديرو المدارس أنه قبل الشروع في تنفيذ أي مشروع تطويري للتعليم، يجب أن تتم إعادة دراسة وتحليل السياسات العامة المنظمة لعمل المدارس، بهدف تحديثها لتكون مواكبة لمتطلبات العصر ورؤية 2035، مطالبين بجهود توعوية تستهدف العاملين والطلاب والمجتمع، لشرح الغايات والمقاصد من أي مشروع تطويري، حتى تحظى تلك المشاريع بالدعم المجتمعي والمؤسسي المطلوب.
وطالب المديرون، بضرورة زيادة الميزانية السنوية المخصصة للمدارس، والسماح لهم لإيجاد إيرادات إضافية من خلال استقطاب الدعم المجتمعي.
وأكد المشاركون على ضرورة أن يتم تطوير البنية التحتية للمدارس، حتى تواجه النقص الحاد بالمرافق الأساسية والخدمية، مشيرين إلى أهمية أن يسمح للمجتمع المحلي أن يشارك في الشؤون المدرسية، حتى تكون القرارات المدرسية مدعومة من الأهالي.
نتائج الدراسة
جاءت نتائج الدراسة مماثلة لجميع الدراسات العلمية، التي أكدت على أهمية استمرار بناء القدرات لمديري المدارس والمعلمين والطلاب، حتى يطوروا مهاراتهم ومعارفهم ويتمكنوا من الاستفادة من مشاريع تطوير التعليم.
دعم الميدان
وكشف الباحث أن أسباب عدم نجاح مشاريع التطوير، تتجلى في نتائج الدراسة، وأن الوزارة مطالبة بالعمل على تلبية متطلبات مديري المدارس، الذين يمثلون نقطة الوصل بين المخطط والمعلمين والطلاب، وأن من المهم ألا تغفل الوزارة ضرورة دعم الميدان التربوي، وتعزيز قدراته لمواجهة تحديات التغيير بإمكانات وقدرات كبيرة، تضمن نجاح أي مشروع تطويري.
انعدام الثقة
وأشار الباحث إلى أن انعدام الثقة في مشاريع الوزارة، يمثل تحدياً يتطلب معالجة إجرائية، لإعادة بناء الثقة بين المركز والأطراف، فلن تنجح مشاريع التطوير دون أن يثق بها العاملون عليها، بسبب أن بعض القيادات يمارسون الولاية الفكرية، وهم في حقيقتهم منفصلون عن واقع الميدان واحتياجاته، ولا يملكون ثراءً معرفياً، يواكب المستجدات التربوية العالمية.