هيفاء بهبهاني تكتب: معلم واحد لكل طلبة الكويت
كانت مشكلتنا الدائمة هي أن وزارة التربية بكل قطاعاتها تحمل ثقافة “التدريس” داخل أسوار المدرسة، ولم تتحوّل إلى المنهجيات التربوية الحديثة مهما ادعّت أنها تواكب التطور المتمثل بالكفايات والمعايير والتي تحتّم استخدام مهارات القرن الواحد والعشرين والتعليم الرقمي في التعلم والتعليم، ويتضح هذا الأمر جلياً في القرار الأخير لمجلس الوزراء الذي صدر قبل أيام حول تعطيل الدراسة لمرحلة الثاني عشر والجامعات إلى شهر أغسطس حيث يبدأ الفصل الثاني التعويضي ومدته ما يقارب شهرين، وتعطيل بقية المراحل إلى شهر أكتوبر حيث يبدأ الفصل التعويضي ومدته شهران كذلك، ثم تبدأ السنة الدراسية الجديدة لكل المراحل في شهر ديسمبر والتي يُدمج فيها الفصلان الأول والثاني، الأمر الذي يعني تعطيل كامل وشامل لتعليم الطلبة لمدة تتراوح بين 6 إلى 8 أشهر، هذا مع كون الكويت لا تُعد دولةً منكوبة حتى الآن ولله الحمد.
نحن كمعلمين نعلم جيداً بالخطر المحدق ولا نطالب الوزارة بأن تجازف في حياة أبنائنا الطلبة، لأن صحتهم هي أغلى ما نملك، لكننا مدركون أيضاً أن تعطيل الدراسة لمدة 8 أشهر ليس هو الحل الوحيد والسليم في ظل هذه الأزمة، أولاً سيتضررالطلبة جميعهم وبدون استثناء في فترة التعطيل الطويلة هذه، وسيفقدون كمًّا كبيراً من المعلومات والمهارات الأساسية، حيث سيبدأون فيما بعد من الصفر مرة أخرى، مما يعني أن فترة شهر ونصف لإنهاء فصل دراسي كامل سيكون عبئاً خيالياً على المعلمين الذين يحتاجون لوقت كبير في استرجاع ما فُقد ثم البناء عليه. وثانياً سيكون إصدار الشهادات واعتمادها لصفوف الثاني عشر في شهر أكتوبر مما يعني عدم لحاق الطلبة بالتسجيل في أي من الجامعات حول العالم في الفصل الدراسي الأول. وثالثاً الطلبة في الصفوف الابتدائية والمتوسطة والذين يبدأون في المرحلة المقبلة بنظام الدمج في شهر ديسمبر ستكون سنتهم الدراسية مضغوطة جداً وهذا سيزيدهم ضعفاً على ضعف، مما يعني أن المستوى التعليمي في الكويت سيتدهور بشكل منقطع النظير!
العالم بأسره لم يعدم البدائل التعليمية لهذه الفترة العصيبة فلماذا كان على وزارة التربية أن تختار أسوأ الحلول؟ الأمم تعمل بحسب أولوياتها، فمن يعرف أن التعليم هو أساس لاجتياز الأزمات الكبيرة سوف لن يقرّ قراراً جنونياً كما حدث عندنا في الكويت، العالم الافتراضي مكتض بالمنصات التعليمية المجانية وغير المجانية، وعلى فرض أن المعلمين لا يتقنون شرح دروسهم على هذه المواقع لتقصير مسبق في آلية التدريب، فإن هناك بديل ناجح ورائد ومختلف تماماً يوفر الوقت والجهد، وهو أن يكون هناك معلم واحد لكل مادة دراسية لكل مرحلة تعليمية، وهذا كافٍ لتعليم أبناء الكويت جميعاً، خاصة إذا تم التعاون مع وزارتي الإعلام والشباب لإنتاج سلسلة متكاملة ووافية لشرح المناهج واستخدام المنصات التعليمية الجاهزة لنشرها بين الطلبة جميعهم، أما بقية المعلمين سيكون عملهم فقط متابعة أعمال طلبتهم من المنزل والإجابة على أسئلتهم ورصد درجاتهم في هذه المنصات، أيضاً الاختبارات الالكترونية والمشاريع الجماعية والفردية كلها متاحة كحلول مساندة، وفي حال كانت الوزارة متخوفة من الغش الذي فشلت في السيطرة عليه على أرض الواقع، فإن تغيير الوزن النسبي للاختبار هو أمر متاح لها كذلك خاصة في الصفوف الدراسية ما دون الثاني عشر، بل وإن الحل ممكن حتى مع مرحلة الصف الثاني عشر الذين يمكن استخدام التعليم الرقمي معهم وتعطيل اختباراتهم فقط إلى شهر أغسطس، مما يعني أنهم سيتعلمون طوال فترة بقاؤهم في البيت وثم تبدأ اختباراتهم في أغسطس مما يعطي مجالاً لتصدير الشهادات والالتحاق بالجامعات.
لو أن الوزارة جادة في رغبتها بالحفاظ على أبنائنا فإنه من باب أولى أن لا تتركهم كل هذه الفترة بلا أي وسيلة تنقذ تطورهم العقلي والنفسي الذي لا يمكن إيقافه إلى نهاية الأزمة، فإذا كانت متخوفة من إقرار التعليم الرقمي خلال هذه الأشهر الحساسة لأن أولياء الأمور منهم أطباء وإعلاميين ولا يستطيعون متابعة أبنائهم، فإننا نرى أن أفضل شيء يشغل فراغ الأبناء في غياب آبائهم هو أن يتعلموا عبر الأجهزة التي يستغلونها فقط للعب ونشر الشائعات وربما الوقوع في المحظور.
لا أرى أي عذر حقيقي في تعطيل الدراسة كل هذا الوقت، ولكنني أتساءل؛ هل يمكن لوزارة التربية التي عودتنا على الحلول الترقيعية في وقت الرخاء، أن يكون قرارها جاداً وناجحاً ومنافساً لقرارات وزارة الصحة التي فاجأتنا؟! الجواب في حوزة الوزير.