(الشائعات).. ظاهرة سلبية تؤثر على الاستقرار المجتمعي وجهود الدولة في مكافحة (كورونا)
مع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في العالم واستنفار أجهزة الدولة لحماية المواطنين والمقيمين انتشرت ظاهرة سلبية قوامها الشائعات في شبكات التواصل الاجتماعي بما يؤثر سلبا على الاستقرار المجتمعي ويثبط جهود الحكومة في مكافحة الفيروس.
ويسارع مروجو تلك الشائعات دون أدنى مسؤولية أو حس وطني إلى إطلاق المعلومات المغلوطة في سباق مع حزمة القرارات والإجراءات الاحترازية التي تتخذها الحكومة تباعا لمواجهة هذا الوباء مما قد يؤدي إلى إثارة الهلع وإحداث البلبلة في صفوف المواطنين والمقيمين.
ولايوجد تعريف علمي موحد للشائعة لكن ثمة اتفاقا على أنها تعني انتشار خبر وذيوعه بين الناس دون أن يستند إلى دليل أو يعرف له مصدر ويتداول بين العامة وغالبا ما تكون هذه الأخبار مثيرة لفضول المجتمع وتفتقر إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار وبالطبع لإثارة الشائعات أهداف ومآرب تتنوع هذه الأهداف تماشيا مع مبتغيات مطلقيها.
وعمدت الجهات المعنية من خلال قنوات الإعلام الرسمي إلى توضيح مستجدات وتداعيات الفيروس دون مواربة من أجل وأد الشائعات وبث روح الطمأنينة مجتمعيا.
في هذا الصدد حذر أكاديميون كويتيون من ضرر تزايد انتشار الشائعات في وقت الأزمات إذ تتسبب في إثارة الهلع والمخاوف بين أفراد المجتمع وأكدوا أهمية المسؤولية المجتمعية في التصدي لأي معلومة من شأنها الإضرار بالسلم الاجتماعي.
ودعا الأكاديميون إلى ضرورة استقاء الأخبار من مصادرها الرسمية وشددوا في الوقت نفسه على ضرورة تطبيق القانون بحق مروجي الشائعات والالتزام بسرعة توفير المعلومات الشفافة والمتكاملة للمتلقي.
بداية قالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتورة معصومة المبارك إن ضرر الشائعات لا يقتصر على الأوضاع الاستثنائية إذ تنعكس خطورة تفشيها على أفراد المجتمع وخطط الدولة لمواجهة الأزمات.
وأضافت المبارك أن نقص المعلومة أو غيابها يؤدي إلى تفشي الشائعات في المجتمع والخلط بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة لافتة إلى أن حرص السلطات المعنية على الالتزام بالشفافية وتواتر المعلومات يعزز من ثقة المتلقي بأي معلومة صادرة عنها.
وشددت على وجوب تصدي المؤسسات المعنية للشائعات من ناحية موضوعها وتوفير المعلومات الكاملة والصحيحة للرد عليها وليس فقط بالكلام المرسل مبينة أنه “إذا ما تم نفي الشائعة وتلاها ظهور معلومات تؤكد ما جاءت به فذلك سيؤدي إلى فقدان الثقة بتلك المؤسسة”.
وأكدت أن الوقوف في وجه الشائعات مسؤولية جماعية تتمثل في التزام الأفراد بعدم نشر أي معلومة دون التحقق من صحتها وتلك المسألة في حاجة إلى فرد واع ومدرك قادر على التمييز بين الخبر الصادق والشائعة.
وأفادت أنه يتعين على الجهات المعنية في الدولة نشر معلومات صحيحة ومتكاملة ومباشرة علاوة على الالتزام بالأمانة والشفافية في الرد على أي شائعة قد تثير قلق أو سخط الأفراد والحرص على متابعة الأجهزة المعنية في الدولة لكل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكدت أهمية تطبيق القانون تجاه كل من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد ف”التشدد مطلوب خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها” مشيرة إلى “توافر شبكة كافية من القوانين التي تجرم الشائعات سواء قانون الجزاء الكويتي أو قانون المرئي والمسموع أو قانون الجرائم الإلكترونية”.
وحثت الإعلام الرسمي للدولة ممثلا بوزارة الإعلام ومختلف قطاعاتها ووكالة (كونا) على الوقوف بالمرصاد لأي معلومة فيها تشويش ومعالجتها بنشر المعلومة الصحيحة مباشرة دون أي تأخير قبل أن تتمكن الشائعة من الفرد وقناعاته.
من جانبه قال أستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت الدكتور علي الزعبي في تصريح مماثل إن ترويج ونشر الشائعات يعتبر “عملا ضارا” الغرض منه إثارة الرعب والمخاوف لدى الأفراد.
وأضاف الزعبي “نحن الآن تحت ضغط نفسي كبير جدا نتيجة انتشار وباء جديد لم يتم التوصل إلى علاج له حتى الآن” مشددا على أن الوضع الحالي والقلق الذي يعيشه الفرد والأسرة والمجتمع لا يقبل ترويج ونشر الشائعات أو تداول المعلومات المغلوطة بأي صورة من الصور “فهي تزيد الأمور سوءا”.
وأوضح أن الواجب الوطني يحتم على كل شخص الحذر في نقل أو تداول المعلومة واستقائها فقط من مصادرها الرسمية سواء كان الناطق الرسمي للحكومة أو المتحدثين الرسميين للوزارات ومتابعة الإعلام الرسمي للدولة ممثلا في وزارة الاعلام وقطاعاته إضافة إلى (كونا).
وأكد أن مسؤولية إيقاف تداول ونشر الشائعات لا تقع على عاتق جهة أو طرف دون آخر فهي ليست مسؤولية الحكومة وحدها أو وسائل الإعلام فقط أو أنها تقتصر على المواطن والمقيم ف”جميعنا الآن في مركب واحد والمسؤولية تشمل الكل”.
ودعا الجميع إلى الابتعاد عن نشر أو تداول أية معلومة من الممكن أن تضر السلم الاجتماعي أو تؤثر على نفسية الأفراد واعتماد الأخبار الموثوقة الواردة من المصادر الرسمية.
واعتبر الزعبي أن “تحفيز المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد أفضل من تغليظ العقوبات تجاه أعمال ترويج ونشر الشائعات” مؤكدا أنه “متى ما تم خلق ضمير واع لدى الأفراد فلن تكون هناك أي حاجة للقانون”.
ودعا وسائل الإعلام المحلية إلى تجنب التركيز على السبق الصحفي في ظل الوضع الذي تمر به البلاد إذ “قد ينتج عنه في كثير من الأحيان معلومات وأرقام مغلوطة تسبب الذعر لدى العامة”.
وتابع أن “المبدأ الأساسي الذي يجب أن تنطلق منه وسائل الاعلام في التعامل مع هذه الأزمة أن تكون ذكية ودقيقة جدا في تداول المعلومات” مشيرا إلى ضرورة “استيعاب مدى انعكاس المعلومة على المجتمع في بعض الاحيان حتى وإن كانت صحيحة”.
وأضاف الزعبي “متى ما رأى الإعلامي أن المعلومة التي وصلت إليه صحيحة تماما لكن نشرها قد يخلق حالة من الرعب بين الأفراد أو من شأنه التقليل من ثقتهم في الأجهزة الحكومية العاملة بمكافحة الفيروس هنا يجب عليه اتخاذ قرار التوقف عن نشرها حتى وإن كانت صحيحة فالأزمة التي تمر بها البلاد تتطلب من الإعلامي المسؤولية والذكاء في الوقت ذاته”.
بدوره قال أستاذ الإعلام في جامعة الكويت الدكتور فواز العجمي إن “الغرض من نشر الشائعات قد يكون رغبة لدى بعض الأشخاص في بث الذعر والخوف في المجتمع وقد يكون من منطلق حسن النية والسعي لزف أخبار سارة وفي هذه الحالة تتسبب في ضرر أكثر بعد أن يتبين عدم صحتها”.
وأضاف العجمي أن الشائعات مضرة جدا للمجتمع وأفراده لاسيما في ضوء الظرف الاستثنائي الذي تعيشه الدولة فقد تنعكس سلبا على نفوس الأسرة لجهة الاطئمنان على أفرادها سواء الموجودين في الداخل أو الخارج.
وأوضح أن مسؤولية إيقاف تداول ونشر الشائعات “جماعية” تبدأ من الحكومة التي يتعين عليها الالتزام بالسرعة في توفير المعلومات والبيانات الرسمية في الوقت المناسب لوأد أي شائعة منذ ظهورها.
وذكر أن مروجي الشائعات يحاولون إشباع حاجات الأفراد للمعلومات والاستفادة من هذه الناحية قدر الإمكان لاسيما حين تتأخر المعلومات من المصادر الرسمية.
ودعا المواطنين والمقيمين حال تلقيهم معلومة أيا كانت إلى إيقافها والتثبت من صحتها وتقييم ما إذا كانت تستحق النشر من عدمه.
واستطرد قائلا “لسنا بمصادر رسمية أو قنوات اخبارية حتى ننشر كل ما يصل إلينا وليس كل ما يعرف ينشر لذلك يجب ان نكون حذرين من هذه الناحية”.
وأشار إلى جهود الحكومة لمحاربة الشائعات ومنها ما ذكره وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب محمد الجبري خلال لقائه مجموعة من مديري المواقع والصحف الإخبارية الإلكترونية المحلية إضافة إلى تحذير الجهات الحكومية المعنية مروجي الشائعات من اتخاذها أقصى الإجراءات الرادعة بحقهم معتبرا الإساءة للوطن وإثارة الهلع لدى أفراد المجتمع “أكبر وأسوأ عقوبة قد تتخذ بحق أي شخص”.
ولفت إلى أن “السبق الصحفي يجب ألا يكون هدفا لوسائل الاعلام على حساب توفير المعلومة السليمة والكاملة التي يستفيد منها المتلقي وأخذ المحافظة على استقرار أمن وأمان المجتمع بالدرجة الأولى حتى لا تفقد تلك الوسائل مكانتها ومصداقيتها في وقت الأزمات”.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح قال في وقت سابق إن (الداخلية) وبالتعاون مع وزارة الإعلام عمدت إلى تحريك دعاوى قضائية بحق مروجي الشائعات المتعلقة بتداعيات (كورونا) والتي تسببت في إحداث حالة من الهلع بين المواطنين والمقيمين.
وأعلن وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب محمد الجبري في تصريح سابق إنه منذ بداية الأزمة أحيل 23 حسابا مرخصا من قبل (الإعلام) على النيابة العامة لبثها الشائعات والأخبار الكاذبة مما تسبب في هلع وخوف بين المواطنين والمقيمين في البلاد.
وأكد الجبري آنذاك أهمية سرعة مواكبة وتغطية الإعلام الرسمي لقرارات مجلس الوزراء والأحداث المتسارعة في البلاد لتداعيات الفيروس لدرء انتشار الشائعات والتصدي لكل من يحاول اثارة الهلع بين المواطنين والمقيمين.
وقانونياأعلن النائب العام المستشار ضرار العسعوسي في وقت سابق أن النيابة العامة ستتخذ أقصى الاجراءات والقرارات وعدم التهاون ضد كل من يقوم بنشر الشائعات والأخبار الكاذبة في المواقع الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية أو المسموعة بشأن فيروس كورونا. (كونا)