د. عايض حمد القحطاني يكتب: التعامل مع الأستاذ المتحرش!
قضية التحرش في المؤسسات التعليمية لن تتوقف، ويمكن أن تحدث لكل شخص. ومخطئ من يظن أنه محصن منها أو أن هذه القضية تحدث خارج نطاق دائرته الشخصية فقط. ولا يكاد يخلو بيت من وجود فرد منه يذهب لهيئة تعليمية وله الحق في ممارسة حياة تعليمية في بيئة آمنة. من أجل ذلك، أضع هذه الكلمات دليلا مصغرا لأخواتي الطالبات في الطريقة المثلى للتعامل مع وقائع التحرش.
يذكر الدكتور “جيمس كامبل” من جامعة تكساس (Arlington) والذي يمارس البحث العلمي في مجال التحرش، أن هناك دائما غموض فيما يخص ما هو مقبول وغير مقبول في شأن التحرش في لوائح معظم الجامعات والمؤسسات التعليمية. أ.هـ.
وفي الكويت، بحسب معرفتي، لا يتعدى الأمر سوى دليل للأخلاقيات المهنية، هذا إن توفر في المؤسسة التعليمية.
وضع الحدود
معظم التحرشات التي تحدث تكون بسبب توفر الزمان والمكان للمتحرش للإقدام على أفعاله. لا تقبلي أن تكوني في مكان مغلق لوحدك مع أستاذ مادة مهما يتطلب الأمر ذلك. والطريقة الصحيحة التي تتبعها بعض الطالبات في عدم المرور أو الالتقاء مع الأساتذة إلا بصحبة صديقة أو زميلة دراسة، هذه الطريقة سليمة ولها فوائد جمة. وقد تكون هذه الطريقة سلبية إذا انحرف مسار الحديث إلى أحاديث عابرة وتركت مسارها العلمي، هنا يجب تنبيه مصدر الثرثرة فقد يكون الأستاذ “نسونجي” وتكون الثرثارة ضحية سهلة. وواردٌ أن تتطور العلاقة بين الأستاذ والطالبة في ظل عدم وجود الحدود، إلى شكل من أشكال التراضي، يكون فيها الأستاذ مخطئًا بحكم استغلاله منصبه، والطالبة مخطئة بالانزلاق في هذا الطريق.
المزاح غير المقبول، أو التغزل العابر، يجب أن يواجه بشكل لفظي جادٍّ وحازمٍ من الطالبة، أو بشكلٍ مكتوب إلى بريد الأستاذ الإلكتروني كمثل: أنا لا أقبل أن تقول لي : “هلا بالجمال والدلال كله” مهما كانت نيتك وأتمنى أن لا تستغل ذلك في تغيير معاملتك لي”. برسالة مثل هذه موثقة تستطيع الطالبة توثيق الحدث وحفظ الحق في حال تطور الأمر للأسوأ.
كذلك الأمر في المختبرات العملية، لا تقبلي أن تكوني وحدك واحرصي أن تكوني ضمن مجموعة من الطالبات تبدأ مع بعضها البعض وتنتهي مع بعضها. وفي حال الامتحانات المؤجلة والمختبرات التعويضية، اطلبي أن تكون في أوقات وجود أشخاص آخرين قريبين من مكان الامتحان والمختبر.
توثيق شكوى
معظم المتحرشين يستمرون في غيهم لعدم تقدم أحد بشكوى ضدهم. وطريقة التقدم بالشكوى هي الخطوة الأصعب على الضحية لشعوره بالعزلة ولوم النفس، والإحساس بالغبن، والإهانة، حتى لو تقدم بالشكوى. فقد تكون الشكوى غير مجدية لعدم وجود الدليل الكافي الذي يدين المتحرش. الحل قد يتلخص بالآتي: إذا وجد ما يمكن أن يكون تحرشًا بالنسبة لكِ، فأول ما يجب عليك فعله هو مغادرة المكان بشكل سريع والانتظار على الأقل 24 ساعة. ما حدث لا يمكن توثيقه، أما الذي سيحدث يمكن توثيقة.
إذا استطعتِ وضع طريقة في جعل المتحرش يتحدث بما فعل بعد ذلك، وتسجيل الحديث كدليل عليه بواسطة الهاتف فذلك مفيد، أي رسائل نصية أو أدلة إلكترونية تبين مقاصده السيئة، يجب الاحتفاظ بها لتكون دليلا عند الحاجة إليها.
لوم الضحية أمر ممارس حتى في المجتمعات التي تسمح بالعلاقات المفتوحة بين الجنسين. لذلك، يجب الاحتياط الزائد في توثيق الحدث.
إذا كان الحدث لفظيًّا فقط، فعليك التقدم بطلب موعد مع رئيس القسم المباشر للأستاذ، أو مع العميد المساعد لشؤون الطالبات، وإبداء الرغبة بتقديم شكوى، وعليك أن تطلبي أن تكون الشكوى سرية. وبذلك، يمكن للمسؤول المباشر أن يقوم بالمساعدة في صياغة الشكوى والتعامل معها. التأخير في التقدم بالشكوى قد يضعف مصداقية الشكوى.
واردٌ أيضًا أن يكون هناك علاقة متطورة بين الضحية والمتحرش، هنا قد تكون الشكوى عديمة الفائدة لوجود شكل من أشكال التراضي في البداية “لوم الضحية”. عند ذلك يجب التأني في تقديم الشكوى واستشارة شخص قانونيٍّ أمينٍ كمحامية على سبيل المثال.
إذا كان التعدي جسديًّا، فيجب التواصل مع هواتف الطوارئ فورًا في مكان الحدث، كأرقام هواتف الأمن والسلامة، ورقم الطوارئ 112.
بعد الشكوى هناك متابعة للشكوى. إذا لم تتخذ الكلية أو الجهة المسؤولة، أي إجراء رادع، بعد التواصل معها والاستفسار عن وضع الشكوى، أو عدم احترام الإدارة لسرية الشكوى، هنا يجب التواصل مع محامية واستشارتها في ماذا يمكن فعله بعد ذلك.
خلاصة القول، لا يوجد من هو منزه أو محصن من الخطأ، مهما كانت درجته العلمية، أو مكانته الاجتماعية. ويمكن أيضا لطالبة صغيرة، أن تقوم بتشويه سمعة أستاذ كبير بقصد أو دون قصد، فالحكم في مثل هذه الحالات لا يترك للجميع للخوض فيه، وإنما لأصحاب الشأن للبت فيه.
د. عايض حمد عبدالله القحطاني
عضو هيئة تدريس
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب