حماس الشباب وحكمة الكبار.. الرنين المغناطيسي يكشف أسرارنا
إذا كان علم الأعصاب ولد مع كتاب “تشريح الدماغ” لتوماس ويليس أستاذ الفلسفة الطبيعية بجامعة أكسفورد في القرن السابع عشر، فإن فتح أسرار أفكارنا وعواطفنا لم يتسن للباحثين إلا مع التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي.
وقد قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن ظهور التصوير هو الذي مكّن الباحثين في علم الأعصاب من تصوير نشاط أجزاء مختلفة من الدماغ أثناء العمل، والبدء بالفعل في فك تشفير الروابط، رغم الرسوم التوضيحية القيمة التي قدمها كتاب ويليس.
وأوضحت الصحيفة أن الوسائل الحديثة أظهرت أن لدى المراهقين قشرة دماغية أمامية (في مقدمة الدماغ) أكثر تفاعلا من تلك التي لدى البالغين، مما يسبب مشاعر حادة حول الوعي الاجتماعي، أي بالطريقة التي يعتقد المراهقون أن الناس يتصورونهم بها.
وفي هذه المرحلة من العمر (سن 15 سنة)، يتم الوصول إلى ذروة نشاط قشرة الفص الجبهي (القشرة الدماغية الأمامية)، مما يفسر الاهتمام الذي يوليه من هم في هذه السن لتعليقات نظرائهم.
وتغلب العاطفة العقل بسهولة لدى من هم في سن المراهقة، لأن نضج قشرة المدار الجبهي من الدماغ -الذي لا يتم إلا عند 25 سنة- لم يكتمل لديهم، خاصة أن هذا الجزء هو الأكثر تطورا في الدماغ وهو مسؤول عن التخطيط حيال المشاكل.
حياة محفزة
وقالت الصحيفة إن تصوير نشاط الدماغ انتهى بباحثين أميركيين عام 2002 -في ظل ظروف تجريبية- إلى اكتشاف كيف يمكن أن تكون ذاكرة كبار السن قوية مثل ذاكرة الشباب، وهي أن يحفز كبار السن ببساطة المزيد من المناطق في الدماغ، ويمكن الحفاظ على هذه التعبئة العامة للخلايا العصبية من خلال حياة مليئة بالإثارة.
وبالفعل أظهر الباحثون في جامعة تكساس أن الأدمغة التي تعمل بشكل أفضل لدى من هم بين سن 50 و89 عاما، هي الأدمغة المشغولة والمشحونة أكثر.
وإذا كان الاستمرار في القراءة وتعلم أنشطة جديدة وممارسة ألعاب مختلفة والحفاظ على علاقات عائلية واجتماعية جيدة، لا يمنع الإصابة بمرض ألزهايمر، فإن تحدي أدمغتنا بشكل يومي يؤخره إلى حد كبير.
وتكمن قوة الدماغ في التوصيلات داخله، وبالفعل -كما توضح الصحيفة- فإن مليارات الخلايا العصبية التي تربط مناطق الدماغ تغير باستمرار الروابط بينها منذ الولادة وحتى الموت، ولكن الروابط التي لا تستخدم كثيرا تصبح كطرق في الرمال مهجورة، أما تلك التي تتم صيانتها يوميا فتتحول إلى طرق سريعة حقيقية.
ولكن جراح الأعصاب مارك ليفيك والصحفية ساندرين كابوت ينبهان إلى اختلاف مهم بين الخرائط على الأرض التي لا تتغير وخريطة الدماغ التي تختلف من فرد إلى فرد، وتتغير أيضا في الوقت المناسب، إذ يحدث تعديل فيها كل ليلة.
ويوضح أستاذ العلوم العصبية بيركلي ماثيو ووكر أن الفرز الانتقائي يحدث عندما ننام، حيث ينقل الدماغ الذكريات المهمة لتخزينها في ذاكرتنا ويتخلص من التجارب غير المهمة، ولكن شريطة تجنب الحبوب المنومة والخمور التي تعيق حسن سير العمل الليلي، لأن الدماغ لا ينام بصورة كاملة.
المصدر :
الصحافة الفرنسية