«معلمون متطوعون».. مبادرة كويتية لمحاربة الدروس الخصوصية
التعليم هو أساس بناء المجتمعات وسمة البلد المتقدم المزدهر والذي يمكن من خلاله صنع أجيال تملك معارف وخبرات وتعلم جيدا كيف تخدم بها أوطانها وأنفسها.
وللمعلم دور حيوي في هذه العملية بل انها لا تستقيم من دونه فهو من يشكل حياة الطلبة القادمة بمعرفته وصبره وحبه واهتمامه.
وفي الكويت جاءت مبادرة (معلمون متطوعون) من أجل خدمة الطلاب والطالبات عبر تكاتف مجموعة من المعلمين والمعلمات إذ تقوم بتنظيم مراجعات دورية قبيل الامتحانات النهائية وامتحانات الدور الثاني للطلبة من الصف الخامس حتى ال12 وفي جميع المواد الدراسية.
في هذا الصدد قال المنسق العام للمبادرة بدر بن غيث وهو معلم ورئيس قسم التاريخ والجغرافيا في إحدى المدارس الثانوية لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأربعاء إن فكرة المبادرة انطلقت في العام 2017.
وأوضح بن غيث أنه تلقى آنذاك رسالة عبر حسابه الشخصي في أحد مواقع التواصل الاجتماعي من ولية أمر طالبة تعاني من مرض السرطان طلبت فيها تقديم المساعدة بتقديم الدروس الخصوصية لابنتها غير القادرة على الانتظام في الدروس المدرسية ورغبتها الشديدة في اجتياز الامتحان النهائي رغما عن المرض.
وأوضح أن هذا النداء جعله يفكر مليا في أن يقدم مراجعة شاملة للمادة للطالبة ومن يحتاجون إلى تلك المساعدة وكان عددهم 12 طالبا إلا أنه واجه مشكلة اختيار المكان المناسب لتقديم الدرس ما جعله يطرح فكرته عبر تغريدة في موقع (تويتر) ليأتي الرد بعد ساعات من عدد كبير من الشخصيات والمتابعين والجهات التي تود المساعدة والمساهمة في هذا الصدد.
وأضاف بن غيث أن أكثر من 70 معلما ومعلمة من كافة التخصصات والمراحل الدراسية تواصلوا معي بغية المشاركة معلنين رغبتهم في تقديم مراجعات مجانية للطلبة قبيل الامتحانات الأمر الذي جعلني أفكر في تنسيق وتنظيم الأمور لتولد مبادرة (معلمون متطوعون) رسميا في العام 2018.
وذكر أن المبادرة تضم اليوم نخبة من أفضل المعلمين الكويتيين وغير الكويتيين وهذا الامر يسلط الضوء وبقوة على نماذج مشرفة ومعطاءة.
وأفاد بأن المبادرة تمكنت في عامها الأول من خدمة 188 طالباً وطالبة بفريق تكون من 33 معلماً ومعلمة من منتسبي وزارة التربية بدعم من مشروع (خذ بيدي) الخيري المنبثق من ثلث المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان الذي فتح أبواب وقاعات مجمع (بروميناد) ليكون مقرا وحاضنة للمبادرة وهذا الدعم مكنهم لاحقا من خدمة 899 طالبا وطالبة بمساعدة 44 معلما متطوعا.
وقال بن غيث “في بداية عملنا كمبادرة أجرينا دراسة لمعرفة أسباب لجوء الطلبة للدروس الخصوصية والتي باتت عبئا ماديا ومعنويا على كاهل الأسر وجاءت النتيجة الصادمة أن 81 في المئة من الطلبة في الكويت يلجؤون لها ومن كافة المراحل الدراسية حتى الجامعية”.
وأضاف أن الدراسة رصدت انتشار ظاهرة شراء المذكرات التعليمية التي تباع في المكتبات والأسواق عشوائيا من دون رقابة تعليمية أو تربوية وغياب الثقة في مراكز التقوية التي توفرها الوزارة بأسعار رمزية للطلبة.
وأشار إلى أن كل هذه العوامل دفعت بمتطوعي المبادرة إلى التنظيم وتوسع أكبر إكمالا لجهود وزارة التربية في محاربة ظاهرة الدروس الخصوصية والتصدي لها وتقديم مراجعات مجانية ذات جودة عالية.
وذكر بن غيث أن المبادرة لم تقتصر فقط على الجانب التعليمي بل سعت كذلك إلى تحفيز وتوعية وتثقيف الطلبة بكيفية تنظيم الوقت والاعتماد على النفس والتخطيط إلى جانب تقديم استشارات تربوية وتعليمية لأولياء الأمور وإقامة ورش عمل ومحاضرات مجانية للعموم يقدمها نخبة من المتخصصين انطلاقا منها بأن رفعة المجتمع لا تقتصر فقط على التعليم الجيد بل بتوعية افراده بأهمية هذا العلم وكيفية الاستفادة منه في بناء المجتمع.
وأشار إلى أنه لكون المعلم أحد ركائز هذه العملية الحضارية فقد أولت المبادرة اهتماما خاصا به عبر منصة (درس) وهي مجموعة من الورش والمحاضرات المتخصصة لتطوير وتدريب المعلمين وتعريفهم على أحدث وسائل وطرق التدريس الحديثة في سعي لتمكين المعلمين من ممارسة دورهم الريادي الأمر الذي دفع بالمسؤولين التربويين إلى التنويه بجهود المبادرة الشاملة لتنمية ركائز العملية التعليمية المختلفة بدءا بالطالب ومروراً بولي الأمر وانتهاء بالمعلم.
من جانبها أعربت المعلمة المتطوعة شهد المسفر – تدرس مادة الاجتماعيات للمرحلة المتوسطة – في تصريح ل(كونا) عن سعادتها الغامرة حين ترى فرحة النجاح والتفوق في عيون الطلبة وأولياء أمورهم ممن خدمتهم المبادرة.
وأوضحت المسفر أن هذه المبادرة أتاحت للمعلمين فرصة لممارسة حب العطاء وخدمة المجتمع مثلما أتاحت فرصة النجاح والتفوق للطلبة وهذا هو جوهر العمل التطوعي.
بدورها قالت معلمة التربية الإسلامية للمرحلة المتوسطة لطيفة الكندري ل(كونا) إنها أحبت فكرة التطوع ضمن فريق المبادرة كون التطوع يشعرها بالسعادة الحقيقية والرضا والسلام الداخلي ورغبة منها في أن تكون معلمة “مؤثرة” في حياة طلبتها ولهذا تتمنى أن تكون نموذجا وقدوة لهم في توعيتهم بأهمية العمل التطوعي وحب الخير وخدمة الآخرين.
وقالت مسؤولة العلاقات العامة والتواصل الاجتماعي في المبادرة ألطاف الحنو في تصريح مماثل إنها تطوعت ضمن المبادرة منذ بداياتها الأولى على الرغم من أنها متخصصة في المحاسبة وبعيدة تماما عن المجال التعليمي لكن حبها للعطاء جعلها تنخرط في عملية التسجيل والشؤون الإدارية للمبادرة.
أما المتطوع حبيب جلال وهو من جهورية بنين ويعمل معلما للغة الإنجليزية في إحدى المدارس الثانوية فقال ل(كونا) إن قناعته بفكرة المبادرة جعلته ينضم اليها لمساعدة الطلبة والطالبات على تحسين أدائهم للنجاح لافتا أنه يحب مهنته ويرى أن خدمة طلبة العلم هي مصدر فخر واعتزاز لكل معلم حقيقي.
من جهتها قالت دينا سامي وهي معلمة رياضيات للمرحلة الابتدائية من جمهورية مصر العربية أن انضمامها للمبادرة جاء من إيمانها الكامل بأن نشر العلم رسالة وهدف يجب أن يحمله كل معلم حقيقي فضلا عن كونه عملا تطوعيا يرتقي بالروح وينشر الثقافات ويقرب الأفكار ويترك بالاذهان صورة مشرفة عن المجتمع وأفراده.