من ذكريات محمد جاسم السداح: نظامنا التعليمي في الثلاثينات إنجليزي .. وجميع مدرسي الأحمدية كانوا كويتيين
ما بين المدرسة الأحمدية في ثلاثينات القرن الماضي ووزارة الخارجية من الستينات حتى الثمانينات، يسجل السفير السابق محمد جاسم السداح بعضاً من ذكرياته في كتاب يصدر قريباً عن دار ذات السلاسل بعنوان «من الأحمدية إلى الخارجية».
وتقدم القبس بعض فصول هذا الكتاب الذي يضم معلومات مهمة عاصرها المؤلف.
في نهاية ثلاثينات القرن الماضي، شهدت الكويت قيام المجلس التشريعي ثم حله وما تبع ذلك من سجن بعض الأعضاء، وإلغاء القرارات السياسية التي اتخذها المجلس.
وكان المجلسان الأول والثاني قد ترأسهما الشيخ عبد الله السالم، وكان السلم التعليمي في ذلك الوقت ينقسم إلى مرحلة البستان 3 سنوات، والابتدائية 4 سنوات، والثانوية 5 سنوات، والمجموع 12 سنة دراسية، وهذا النظام إنكليزي، وكان مطبقاً في مصر والعراق وفلسطين أيام الانتداب، والمرحلة الأولى تراوحت تسميتها بين الروضة والبستان في ذلك الوقت، وظلت الدراسة بهذا الشكل إلى منتصف الخمسينات، وكانت غالبية المناهج تأتي من مناهج العراق أو فلسطين، وذلك بسبب جوارنا للعراق وحضور بعثة تعليمية من فلسطين بعد ذلك.
الأحمدية وصناع النهضة
المدرسة الأحمدية كانت تقع في مدينة الكويت داخل السور، ومكانها الحالي الجزء الغربي من مبنى مجلس الوزراء الواقع على شاطئ البحر، وكان المبنى مربع الشكل، وتم إنشاؤها كمبنى مدرسي وليست بيتاً سكنياً تم استئجاره، وكانت ثلاثة أضلاع هي الفصول وغرف المدرسين والخدمات، والضلع الرابع شاطئ البحر مباشرة وأمامه سور، وكنا نطلق عليه باللهجة الكويتية «دح الموي».
وكانت بداية دراستي في هذه المدرسة، وكان جميع المدرسين من أبناء الكويت، وأتذكر بعض أسمائهم والذين قاموا بدور كبير في تعليم الطلاب في هذه البيئة البسيطة، وكانوا يبذلون جهداً كبيراً في ترغيب الطلاب في الدراسة والإقبال على العلم، ومن هؤلاء الأستاذ راشد السيف مدير المدرسة والمدرسون الأساتذة عبد الله العمر ويوسف العمر، وخالد الغربللي وعبد العزيز العثمان، وهؤلاء درسوني ما بين مرحلتي البستان والابتدائي. ثم جاءت مجموعة من الشباب ومنهم عبد المحسن الرشيد البدر وحببنا في اللغة العربية، وكان شاعراً جيداً وأحد مؤسسي رابطة الأدباء.
ودرسني الحساب الفلكي المعروف د. صالح العجيري، وكان من المعلمين الأوائل الذين غرسوا حب العلم في نفوس الطلاب، وإبراهيم المواش وكان يدرس مادة الخط، وكان موضوع الخط أساسياً في ذلك الوقت، وكان يدرس التربية البدنية إضافة إلى ذلك، كما درسنا الأستاذ إبراهيم الفهد مادة العلوم والتربية البدنية، ودرسنا الأستاذ محمد عبد السلام شعيب التاريخ والجغرافيا.
وهؤلاء من قاموا بالتدريس في الأحمدية في تلك الفترة، ولا ننسى الأستاذ حمد الرجيب الذي درسنا التاريخ والجغرافيا، وكانت بعض الكتب تأتي من العراق وبقية المعلومات يقدمها المعلمون.
وكانت الأناشيد التي يرددها الطلاب مواكبة لهذه الأجواء.
وكان في البداية نشيد كويتي في المدرسة الأحمدية يقول:
«أشعب الكويت لك البشرى
ومجدك يا وطني ازدهرا
ويختم النشيد بالفقرة الآتية:
وليحيا أحمد وأسرته ولتحيا الوحدة العربية».
الأنشودة الثانية:
«بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان»،
والأنشودة الثالثة في مناسبة العيدين (الفطر والأضحى)، كنا ننشد:
«عيدوا عيدوا عيد الفرح وعيد السرور»
بجانب نشيد وطني معروف في البلاد العربية هو «موطني… موطني…» من شعر إبراهيم طوقان من فلسطين.
وفي هذه الفترة تم الاتفاق على استقدام مدرسين من مصر وكان عددهم 7 مدرسين بمن فيهم مدير المعارف الأستاذ علي هيكل، وتم ترتيب الأمر بين أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر والقنصل البريطاني والسلطات البريطانية التي خاطبت رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس في هذا الموضوع، لكن في الأحمدية لم يقم بالتدريس أي من أعضاء البعثة المصرية.
بالنسبة لنا في الأحمدية وصلنا للصف الرابع الابتدائي وانفصل الطلاب إلى المدرسة المباركية والمدرسة القبلية، وذهبت إلى المدرسة القبلية وكان موقعها خلف مسجد الملا صالح (حالياً) في شارع فهد السالم، في مدينة الكويت، ودرست فيها السنة الرابعة الابتدائية وهي نهاية المرحلة، وكان ناظرها الأستاذ أحمد قائد وهو من مصر ودرسنا الرياضيات، كما درسنا اللغة العربية الأستاذ محمد صابر الجمل، وكذلك الأستاذ سعيد محمد علي، وكان المدرسون في ذلك الوقت يتفانون في تعليم الطلاب.
وكان سكن المدرسين بين المدرستين القبلية والمباركية في منتصف المسافة، وكان المدرس يدرس حصتين في المباركية ثم يأتي سيراً على الأقدام لتدريس حصتين في القبلية.
وكانت الامتحانات لجميع المدارس تؤدى في المدرسة المباركية، كما كان يقام امتحان شفهي في المساء، يتناول موضوعات متنوعة بين الشعر والتعليق على الأحداث والمعلومات العامة.
وبعد الشفوي يأتي الامتحان التحريري، وكان عدد من نجح 45 طالباً من 60 طالباً في جميع المدارس الأربع هذا العام، وهي المباركية، الأحمدية، القبلية، الشرقية.
وأقامت إدارة المعارف لأول مرة احتفالاً لتوزيع الشهادات بحضور رئيس المعارف الشيخ عبد الله الجابر الصباح ومدير المعارف ومدير المدرسة المباركية، وكان الطالب الأول في الشهادة يوسف السيد هاشم الرفاعي والثاني سعد الناهض من المدرسة الشرقية.
وما بين المدرستين الأحمدية والقبلية إلى عام 1946 كانت مرحلة مهمة بالنسبة إلي، وكانت المرحلة الثانوية في المدرسة المباركية والتي اختيرت لموقعها المتوسط بين مناطق شرق وقبلة والمرقاب.
القبس