سوسن إبراهيم تكتب: سُجناء افتراضيون
هل شعرت يوما برغبة شديدة إزاء تعطيل الشبكة العنكبوتية (الانترنت) والتحرر من براثينها؟ لقد تملكتني الرغبة في هذا حتى تعطلت بالفعل مواقع التواصل الإجتماعي (واتساب، تويتر)، لسويعات محدودة نتيجة عطل تقني أو قد يكون نتيجة رغبتي المُلحّة التي وجدت طريقها للواقع!
حينما تعطلت هذه المواقع انتابني شعور براحة كبيرة وكأن إهمالي بعدم الرد على الرسائل الواردة هو “إهمال شرعي” وتبرير لا أُحاسب عليه عند التأخير أو حين العودة للمحادثات. ولكنّ الشق الأخر من المستخدمين لهذه الوسائل قد أفزعها الأمر كما لو أن جزءًا من أطرافهم بُترت أو اجتُثت من جذورها وهم بلا حول ولا قوة. بل لقد فاجأني أحد المغردين المشاهير على “السوشيال ميديا”، بالتغريد حول العطل بعد استدراكه وإصلاحه، بنشره تغريدة تصف مدى شعوره الغريب بالراحة خلال ساعات هذا النهار ليتفاجأ بالسبب وهو عطب تقني أصاب تطبيقات التواصل.
الأجهزة الإلكترونية وعلى رأسها الهواتف الذكية وفي قمة الهرم الشبكة العنكبوتية التي تبعث تلك الأجهزة للحياة والتي بشكل ما تعطينا نحن الحياة وتأخذها منا بنفس الوقت، إذ إنها بالحقيقة شر لا بد منه. على الرغم من فوائدها العظيمة إلا أنها جعلتنا أسرى خلف شاشاتها، مكبلين بشبكة أشبه ما تكون بشبكة تقتنص حياتنا بل تجعلنا سجناء رغم الحرية التي نتمتع بها. سجناء داخل بيئتها الرقمية التي افترضتها علينا.
هل تساءلت يومًا بقدرتك على تعطيل أحد المواقع التي اعتدت عليها؟ أو أن تحذفها من قاموس حياتك التي انشقت منذ تطور هذه الأجهزة، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا بل تمثل ذاكرتنا وعلاقاتنا وبعض إنسانيتنا. لهذه الدرجة وصل بنا الحال إلى أن نتلوى من تعطل اجهزتنا الذكية او أحد المواقع.
لو عرفنا معنى الحرية وقدرنا قيمة الوقت لأدركنا أن استهلاكنا هذا القدر من الوقت في العبث على هواتفنا ما هو إلا وقت ضائع بددناه بأيدينا وسحقناه بأرجلنا وقمعناه بإرادتنا.
لست ضد التطور ولكن التطور بلا استثمار حقيقي لوقتنا ومواردنا الطبيعية والبشرية ما هو إلا ضرب من ضروب العبثية والإسراف.
سوسن إبراهيم محمد