أطلقوا سراح الفكر وعنان المشاعر..لتنجوا بأنفسكم!
في احدى الدراسات الأمريكية التي تمت على 1000 مريض لمدة 3 سنوات من أعراض جسدية شملت آلام في الصدر وتعب ودوخة وضيق وأرق وخسارة في الوزن والإمساك ولدى الفحص الطبي تبين أن 16% من سبب شكوى هذه الحالات يعود لأسباب عضوية و أن ال 84% الباقية كان لها أسباب نفسية. وبالتالي من الممكن أن يكون عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص كانوا يمرون بمحنة نفسية ولكنهم عبروا عنها بعوارض جسدية. وهذا ما يسمى في علم النفس ‘الاضطرابات السيكوسوماتية’. الجدير بالذكر أن في مثل هذه الأمور المتعلقة بالأمراض النفسية لابد من الاشارة إلى ما يطلق عليه العلاقة الجدلية بين الثقافة واللغة. فمستوى ثقافتنا النفسية ومدى وعينا بتأثيرظروف الحياة وضغوطاتها على صحتنا النفسية ومعرفتنا بماهية الاضطرابات النفسية وكيفية حدوثها وكيفية التعامل معها وكذلك طريقة تعبيرنا عن أنفسنا والكلمات التي نستخدمها عادةً تعكس بنية القيم الثقافية حيث تلعب دوراً جوهرياً في وقايتنا من الوقوع في فخ المرض النفسي. ومن المعروف أن البيئة العربية منتجة للأمراض النفسية. فطرق التنشئة الاجتماعية الخاطئة والتشدد الديني التي يتربى عليها الأفراد منذ الصغر في المجتمعات العربية من كبت لمشاعرهم والرهبة من وصمة العارعند الاصابة بالمرض النفسي والضغوط المستمرة الواقعة على المواطن العربي سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية التي يحرم فيها من التعبير عن رأيه والتمتع بأدني سقف للحريات يؤدي بدوره إلى الشعور المستمر بالإحباط مما يجعل المواطن العربي على أعتاب الاكتئاب دائماً. ففي المجتمعات المتقدمة عادةً لا يتردد الأشخاص في الاتصال بالاستشاري النفسي وأخذ موعد بينما في المجتمعات الشرقية قد يلجأ الأشخاص إلى العلاج كآخر فرصة بعد أن تكون الأعراض تطورت وبعد أن استعانوا أولاً بالمعالجين الروحيين والشعبيين واحيانا المشعوذين. الاختلاف هنا في درجة الثقافة النفسية لدى الاشخاص فالناس في المجتمعات المتقدمة يدركون أهمية وأولوية الصحة النفسية للفرد ودورها الذي لا يتجزأ من الصحة العامة للفرد على العكس من الشعوب الشرقية التي تلهث وراء توفير لقمة العيش والأمن وتصنف عنايتها بصحتها النفسية ضمن الرفاهيات. والعجيب في الامر ومع تقدم العلم والأبحاث فإن الأفراد والمسئولون في هذه المجتمعات الشرقية القامعة وشعوبها المكبوتة والصامتة لا زالوا لا يدركون أن الإحباط والاكتئاب المستمر قد يؤدي إلى زيادة نسبة العنف والعدوانية في سلوك الفرد وقد يكون فيها في موضع الهجوم دائماً وهذا يفسر سر بشاعة جرائم القتل في صفحات الحوادث بالصحف بحيث أصبح القاتل يتفنن في تعذيب الضحية كما يوضح لنا سر زيادة معدلات العنف الأسري من ضرب وقتل للزوجات والأزواج واغتصاب المحارم.
د. دلال عبدالهادي الردعان
استشارية نفسية وعضو هيئة تدريس في كلية التربية