«ليش تخز؟» وراء الشاشات الزرقاء أيضاً!
ساهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وهيمنتها على تفاصيل حياتنا، في انتقال ظاهرة «التنمر» من واقعنا اليومي المعيشي، إلى واقعنا الافتراضي. وتتنوع أشكال التنمر ومظاهره بدءا من تدوين التعليقات الإلكترونية، مرورا ببث أخبار ومعلومات يمكن اعتبارها شكلا من أشكال الإساءة، وصولا إلى التهديد والإيذاء المباشر للمشاعر. ومن منا لم يشهد أو يتعرض بشكل او بآخر، لاحد مظاهر التنمر الالكتروني، عبر تعليق قد يكون مؤذيا او جارحا، او حتى تهديدا، او اي اساءة اخرى، من أفراد أو مجموعات معينة. يبدو المشهد كأن المجتمع نقل جوانب عديدة من حياته الى العالم الافتراضي، بما فيها من ظواهر سلبية، فمرور سريع على «تايم لاين» في احدى منصات التواصل، لن يخلو من «حوار عنيف» هنا، و«تبادل سباب» هناك، او حتى ربما ترهيب وتهديد، في صورة تبدو انعكاسا لما نراه في المجتمع احيانا عبر هوشات تبدأ بـ «ليش تخز؟» وتنتهي بالعراك الجسدي، بينما في مواقع التواصل قد تبدأ بـ «شنو تقصد؟» وتنتهي باشتباك جسدي تحول دونه الشاشات الزرقاء. على ان منصات التواصل الاجتماعي، منحت «التنمر» ميزة مفقودة في العالم الواقعي، هي التخفي وراء أسماء مستعارة وحسابات وهمية، لتوجيه الاساءات لآخرين، إذ يعتقد البعض ان التخفي يعطيهم الحق في توجيه الاساءات والتهم للآخرين، بل ويرفع عنهم الحرج الاجتماعي، بشأن نقل معلومات مغلوطة عن أشخاص بأسمائهم والإساءة اليهم. أين تقف مسطرة القانون؟ وما الدوافع النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى التنمر؟ وما الذي وفرته الوسائل التكنولوجية من مساهمات سلبية في انتشار التنمر في مجتمعنا؟
تعريف التنمر
وفي الجانب القانوني، يصف المحامي سلطان العنزي التنمر بأنه صورة من صور السلوك العدواني، ويؤكد أن هناك قوانين تحمي من يتعرضون له، كقانون الجزاء 16/ 1960 وقانون جرائم تقنية المعلومات 63 /2015 وقانون هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات رقم 37 /2014، مبيناً أن الاساءة عبر مواقع التواصل تعد جرائم جنح. ويفّرق العنزي بين حصول التنمر الالكتروني في العلن وحدوثه في الرسائل الخاصة، موضحاً أن اجراءات تحريك شكوى جزائية ضد «المتنمر» تختلف بحسب طريقة ارتكاب الجريمة، فإذا كانت الاساءة على مسمع ومرأى من الآخرين، فيمكن التقدم بشكوى إلى النيابة العامة عن طريق نيابة الاعلام للتحقيق والتحرّي، ثم تحال الى المحكمة المختصة. ويوضح أن الحالة الثانية تتمثل في الاساءة عبر الرسائل والمحادثات الخاصة، ويمكن حينها تقديم شكوى عن طريق المخفر، وتتولى الادارة العامة للتحقيقات التحقيق والتصرف والادّعاء في الجريمة، مقترحاً انشاء قسم خاص في ادارة التحقيقات لاستقبال هذا النوع من الشكاوى بدلاً من التوجه للمخفر، تجنباً لمشكلة الاختصاص المكاني لوقوع الجريمة.
وجود أدلة
من جهتها، تعترف أستاذة القانون بكلية الحقوق الناشطة في حقوق الانسان د.بشاير الماجد، بأن سلوك «التنمر» بدأ يتفشى بصورة كبيرة، وهو موجود في جميع المجتمعات، مبينة أن القانون الكويتي لا يحاسب الطفل على أعماله، ومن ثم فلا محاسبة للأطفال المتنمرين ضد الغير، لافتة إلى ضرورة وجود لوائح وقوانين لمنع التنمر في المدارس أولاً. وبينت الماجد أن القانون الكويتي يحاسب على أفعال القذف والسب، وفي عام 2015 أصبح قانون جرائم تقنية المعلومات شاملاً لجميع أفعال القذف والسب التي تتم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن القانون يضمن الحماية للمتعرضين للتنمر بوجود أدلة من رسائل أو غيره ووفقاً للمنصوص عليه في القانون. وشددت على أهمية اتساع القانون ليشمل جميع صور تهديد الشخص في ماله أو بدنه أو شرفه أو حياته، مشيرة إلى أن القانون البريطاني يجرم العنصرية، التي تؤدي الى التنمر الذي يتخذ صوراً عديدة، بينما يكفل الدستور الكويتي المساواة بين جميع الأفراد، لكن لم يخصص قوانين متعلقة بالعنصرية.
مساحة تعبير
من جهتها، قالت أستاذة الاعلام في كلية الآداب بجامعة الكويت د.حنين الغبرا ان مواقع التواصل الاجتماعي وفرّت مساحة تعبير لجميع الأفراد، كما أصبح لمستخدميها سلطة وتحّكم في حساباتهم، مبينة أن توافر الحرية أمر جيد، لكن بعض الأفراد يسيئون استخدام تلك المواقع بالتنمر والاساءة للآخرين. وأضافت الغبرا أن التنمر يكثر ضد الفئات الأقل امتيازاً في المجتمع كغير الكويتيين أو النساء أو الأطفال، إذ يسيطر على الاعلام من لديهم امتيازات، مبينة أن وضع رقابة أو مسح التغريدات المسيئة ستخلق نوعاً من الفوضى، بسبب اختلاف المعايير التي يجري من خلالها الحكم على محتوى التغريدات، وعلى معنى التنمر والفئات التي تتعرض له.
انتقاد بالأدلة
بينت د.نعيمة الطاهر ان العديد من مستخدمي مواقع التواصل ينتقدون الأشخاص أو المسؤولين باستخدام أدلة أو اثباتات وهؤلاء يقبل انتقادهم طالما كان في حدود القانون وبهدف المصلحة العامة، وقليلا ما نشاهد بعض حالات التمادي من قبل أشخاص لاسيما مع وجود تشريعات تحمي حقوق الناس وسمعتهم وكرامتهم، ولا تقبل الإساءة إليهم من دون وجه حق.
إعادة التغريد
حذّر المحامي سلطان العنزي من اعادة التغريد «الريتويت» لتغريدات مسيئة أو مخالفة للقانون تجنباً للوقوع في المساءلة القانونية، مشدداً على عدم الاندفاع بالتعليقات على كل ما يثار في مواقع التواصل، مرددا «ربما كلمة لا تُلقي لها بالاً تتسبب في سجنك أو تغريمك ومطالبتك بالتعويض المدني». 3 سنوات أكد المحامي سلطان العنزي أن ادارة مكافحة الجرائم الالكترونية في وزارة الداخلية تردع المتنمرين، ويدخل التعدي اللفظي والتهديد والابتزاز ضمن التنمر الالكتروني، مبيناً أن عقوبة الاساءة والتنمر الحبس المؤقت الذي لا يتجاوز 3 سنوات أو الغرامة، فيما عدا جرائم الاساءة المرتبطة بجرائم أمن الدولة او اساءة للذات الأميرية أو ما يمس الوحدة الوطنية.
أستاذ علم الاجتماع جميل المري: حالات التعدي على الآخرين تراجعت
يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت د.جميل المري أن قانون الجرائم الالكترونية، الذي اقر قبل سنوات، وبدأت الجهات المعنية في تنفيذه، ساهم كثيرا في التزام معظم مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في حدود معينة وعدم تجاوزها، مع انخفاض حالات التعدي أو التمادي على الاخرين من قبل بعض مستخدمي البرامج التكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد. وقال المري ان الدستور والقانون في البلاد كفلا حرية الرأي والتعبير في حدود معينة، وان حالات التجاوز على الاخرين أو التمادي على الأشخاص قليلة في الفترة الراهنة في برامج التكنولوجيا ووسائل التواصل، لأن هناك التزاما عاليا من قبل المستخدمين والمغردين حتى لا يوقعوا أنفسهم في مشاكل او يعرضوا أنفسهم للمساءلة القانونية، مبينا ان هناك حسابات تقوم بالانتقاد في حدود القانون، بهدف المصلحة العامة، ويضع أصحابها لأنفسهم خطوطا وحدودا لا يتجاوزونها دائما.
أستاذة علم النفس نعيمة الطاهر: الانتقاد مطلوب شريطة ألا يبلغ الإساءة والتجريح
شددت أستاذة علم النفس في جامعة الكويت د.نعيمة الطاهر على أن هناك التزاما كبيرا من قبل مستخدمي برامج التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد بالأدب والأخلاق خلال حواراتهم وما ينشرونه في حساباتهم المختلفة مع الالتزام بالتعليمات والارشادات المطلوبة خلال استخدامهم للبرامج. وقالت الطاهر ان هناك الكثير من الأشخاص يعبرون عن آرائهم في حدود القانون ومن منطلق حرية الرأي والتعبير ويلتزمون في مشاركاتهم وتغريداتهم بالشكل المناسب، ويقوم بعضهم بعملية الانتقاد البناء والتحدث عن قضايا ومشاكل مع عرض أدلة واثباتات على وقوعها ولا يتهمون بلا اثبات. وذكرت أن بعض الأفراد أو الحسابات يمكن أن تنتقد شخصا أو مسؤولا اليوم على موقف معين وتمتدحه على آخر مستقبلا، ما يبين الهدف من الحديث أو الانتقاد، طالما أنه يستهدف تحقيق اصلاح مشكلة أو حل قضية أو تحسين وضع ما وعلى الأشخاص أن يتقبلوا مثل ذلك الانتقاد على الا يصل الى حدود الإساءة او التجريح في الأشخاص او الاتهام بلا دليل. وأكدت الطاهر ان قانون الجرائم الالكترونية، حدد عقوبات لمن يتجاوزون في أقوالهم أو أفعالهم على مواقع التواصل الاجتماعي وحدد العديد من العقوبات على من يقومون بالإساءة أو التجريح لسمعة أو كرامة أفراد أو فئات في البلاد. وتمنت تعديلا تشريعيا على القانون لتكون عقوبات الحبس على أمور محددة، مع الاكتفاء في بعض الحالات بالغرامات المادية من دون الحبس.
الاستشاري النفسي كاظم أبل: المتنمرون مضطربون سلوكياً عدد الاستشاري والمعالج النفسي د.كاظم أبل، آثار التنمر الإلكتروني السلبية على الضحايا، قائلا: قد يؤثر التنمر في مجريات حياتهم، فأكثر الأفراد تأثراً به هم الأطفال والمراهقون، وقد يؤدي التنمر إلى التشويش على علاقاتهم بالآخرين، والتأثير سلباً في دراستهم. وأوضح أن التنمر نتاج أوضاع اجتماعية وتربوية سيئة، وبيئة غير صحية، مبيناً أن المتنمرين على مواقع التواصل يتمادون في أفعالهم لشعورهم بالنقص ومعاناتهم من اضطرابات سلوكية ومشاكل شخصية، ومن ثم يلجأون إلى التقليل من الآخرين والسخرية لتعويض ذلك النقص وللتنفيس عن مشاكلهم. وأضاف أن التنمر الالكتروني يزداد بوجود عدة أشخاص متورطين في هذا الفعل، إذ يحرّضون بعضهم بعضاً على ممارسة التنمر، مؤكداً أن التنمر سلوك منحرف يؤثر في الأفراد سلباً وفي المجتمع بوجه عام.